01 أغسطس 2011

نــُــتــَــف 1 (بلغت باليوسفين مكان الأنجم الشهب)

هذه مجموعة من القـَصص "أنـتـِـفــُها" نتفاً من مختلف الكتب. منها الحقيقي ومنها الخيالي، منها المؤثر ومنها المضحك والساخر.. لا أبحث فيها عن "القيم الأخلاقية" أو "الوعظ والإرشاد"، بل استحسنتُ روايتها وأسردُها كما كتبَها أصحابــُها. 
قصة اليوم
 
من كتاب "حكايات من الكويت" للشيخ عبدالله النوري رحمه الله، ويقول:

الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.. حديث شريف

الحرب قائمة بين روسيا ودولة الخلافة في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، ودولة الخلافة تحتاج إلى معونات تمدها بها أقاليم الدولة من كل جهة، والدولة تئن من الأثقال التي كلفها بها من تقلدوا الخلافة أو قلدوها، وليس الغد خيرا من أمسه، وإنما الحال دائما تجري من سيء إلى أسوأ، وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له.

وفي يوم من أيام سنة 1295 ه، استلم الأمير الشيخ عبدالله بن صباح رسالة من رئيس وزراء الخليفة المسمى يومئذ بالصدر الأعظم، وفي هذه الرسالة يطلب الصدر بأمر من الخليفة عبدالحميد الثاني معونة من أمير الكويت مقدارها أربعة آلاف ليرة عثمانية، لتجهيز جيوش السلطنة المقاتلة في سبيل الله دفاعا عن كلمة الله وعن كيان الدولة، وطاعة الخليفة طاعة لله.

اهتم الأمير بهذه الرسالة ولم يستطع إغفالها لأنها تكليف من أمير المؤمنين سلطان البرين وخاقان البحرين وحامي الحرمين الشريفين (هكذا كان يلقب السلطان على المنابر في أيام الجمع).
بعث الأمير يجمع مجلس شوراه ليشيروا عليه، لأن الأمير لا يملك هذا المبلغ ولا حتى أقل من نصفه.
وكان الأهالي في تلك السنة قد ابتلوا بنقص في الأموال بعواصف أغرقت كثيرا من سفنهم المحملة ببضائع وأموال أخسرت كثيرين وأفقرت كثيرين.
ولكن يوسف الإبراهيم وكان من الأثرياء البارزين في الإمارة، تعهد بجمع هذا المبلغ كما تعهد بتكملته إن نقص، وافتتح قائمة الإكتتاب بألف ليرة ذهبية عثمانية ثم أخذها متوجها بها إلى يوسف البدر.

ويوسف البدر هو الوجيه الحسيب الغني الكريم التقي.
عرفه قومه بهذه الصفات وجدير هو بأكثر منها لأن صدقاته الخفية لم تعرف إلا بعد موته.
لقد كان يوسف هذا وافر الغنى ولكنه لم يعرف صفة الكبرياء، فكان متواضعا وكان جوادا ولم يطلب بجوده الذكر، كان إذا أعطى أعطى مستحقا، وربما أخفى العطاء بحيث لا يعرف المعطي من أعطاه، كان يوسف ينفق كثيرا وكان يحتسب هذا الإنفاق حتى أنه يجتهد بإخفاء صدقاته بحيث لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.
وكم من بيت عمّره يوسف، وكم من شاب أنهضه وأحيا فيه مواهبه.

وجلس يوسف الإبراهيم إلى يوسف البدر يحدثه بحديث الرسالة بأمر من الأمير ومن أهل شوراه، ولكن يوسف البدر لم يستحسن فكرة الإكتتاب، وقال لمحدثه: يا ابن إبراهيم إن أهل الكويت قد أضرتهم العواصف، والأولى بي وبك أن لا نكلفهم بقليل هذا الأمر دون كثيره، بل ننهض به وحدنا، وأنت يا أخي قد تبرعت بألف وجزاك الله خيرا، ثم أخذ الورقة وكتب فيها ألفين وقال: وهذان ألفان مني وقم إلى ابن صباح ليكمل عن الكويتيين الباقي، وكان الأولى بنا أن نعطي هذه المساعدة للمنكوبين من أبناء بلدنا، ولكنها وإن ذهبت إلى غيرهم فقد ذهبت في سبيل الله، وثوابها ثابت إن شاء الله إن صدقت نيتنا مع الله.

فرح عبدالله الصباح بما قاله ابن بدر وبما فعله بعد أن حدثه يوسف بن إبراهيم بما كان بينهما وقال: لقد صدق والله ابن بدر، والأقربون أولى بالمعروف ولكن لا حيلة لنا في هذا الأمر.
أكمل الأمير المبلغ المطلوب وبعث به إلى الدولة في عاصمتها، وعلم الكويتيون بما قاله يوسف البدر وبما فعله، وظلوا يشكرونه شهورا وأثبت التاريخ فعلته هذه دهورا.

وما زال التاريخ يتحدث عن يوسف البدر وعن أعماله، وأثبت ذلك شاعر الحدباء في بيته المشهور:

إن الكويتَ حماها اللهُ قد بلغتْ ..... باليوسفين مكانَ الأنجمِ الشهبِ

يقصد الشاعر باليوسفين يوسف البدر ويوسف الصبيح، والأول جد عائلة البدر المعروفة، والثاني جد عائلة الصبيح المعروفة وكلاهما جواد له في سجل الأجواد حسنات.

هناك تعليقان (2):

Mohammad Al-Yousifi يقول...

يعطيك العافية و مبارك عليك الشهر

sologa-bologa يقول...

الله يعافيك
علينا وعليك