18 أغسطس 2009

الفكر العنيف والمسؤولية الجماعية


لو كان سبب كارثة الجهراء ماسا كهربائيا أو سوءا في استعمال الفحم أو وسائل الطبخ أو غيره من الأمور التي قد تحدث نتيجة خطأ ما، لاكتفينا بمحاسبة الجهة المسؤولة. لكن أن تكون هذه الكارثة بفعل فاعل وعن قصد "وإن كان بهدف التخريب فقط"، فإن الأمر بحاجة إلى إمعان النظر والتفكر في ما حدث من نواحٍ عدة.
أحداث عدة مرت إبان فترة قصيرة لا توجد بينها رابطة "ظاهرة" لكن سببا خفيا وجب الانتباه له ألا وهو "العنف" الذي برز على السطح، وبشكل لا يمكن إنكاره. والعنف ليس أفعالا وحسب، لكن العنف في الحوار والتفكير واللغة السائدة... هل من الممكن أن أسمي هذه الظاهرة "بالفكر العنيف" أو "الشعور العنيف" ؟!!... أو ربما الفكر المتطرف تعاطيه مع العنف.
في فترة قصيرة حدث الآتي:
رجل أعمال يلقى حتفه، منتحرا أو مقتولا فالأمر سيان، ففي نهاية الأمر لم تكن ميتة طبيعة بل كانت عنيفة.
حوار طائفي بلغ حدود التراشق الجارح وبلغة سمجة سخيفة وضيعة وفي الوقت ذاته عنيفة.
رسالة تهديد استخدمت فيها كلمات من البغض والكراهية والفتنة ما هو أشد من القتل.
القبض على جماعة إرهابية تهدف إلى الفتك بالإنسان "بغض النظر عن دينه وجنسيته" فالإنسان إنسان، دون أن تنظر هذه الجماعة إلى أبعاد هذا الفتك إنسانيا وسياسيا على هذا البلد.
حتى في عالم التدوين الذي "كان جميلا"، فقد أصبحت لغة التخوين والتشكيك والتصغير وبصورة عنيفة هي اللغة السائدة!!!
كل هذه الأحداث والتفكير في أبعادها فجرتها كارثة الجهرا... لأن قيام زوجة بتخريب عرس وتحويله إلى مأساة وطنية، ليس بالأمر السهل أو أن يمر مرورا عابرا وتحميل الحكومة المسؤولية كاملة...
فالمهم الآن ليس وضع خطة طوارئ لتفادي الأحداث المماثلة، بل يجب أن تكون خطة لمعرفة سبب قيام الأفراد بهذه الأحداث وكيف ولماذا فكروا بهذا الأسلوب العنيف، فالمواجهة الحقيقية هي في الفكر وليس الفعل... لو لم يكن الفكر العام مشبعا بالأفكار العنيفة "وليس الأفكار الدينية المتطرفة وحسب بل كل أشكال الفكر العنيف" لما قامت هذه الزوجة بفعلتها...
إذن القضية قضية فكر ومسؤولية جماعية...
الحرية فردية لكن المسؤولية جماعية، على الأقل في الفترة الحاضرة...
وتعازينا إلى أهالي الكويت كلهم على هذه الكارثة الإنسانية

10 أغسطس 2009

الأخلاء بالهمزة مش بالقاف

" لا وجود لظواهر أخلاقية، هناك تفسير أخلاقي وظواهر فقط"...
هذه المقولة للفيلسوف الألماني العجيب فريدريك نيتشه في كتابه ما وراء الخير والشر (ترجمة حسان بورقية)، حين تأملتها محاولا إعادة اكتشاف مضامينها من خلال وضع بعض المظاهر الأخلاقية في مجتمعنا، وجدت أنها صحيحة، إلى حد بعيد جدا.
هناك ظواهر محددة لكننا نجد لها المبرر الأخلاقي ونجعلها ظاهرة أخلاقية، أو غير أخلاقية وفقا لمنظورنا الزماني والمكاني الآني، ومثال واحد أذكره هنا، قبل سنوات كانت "الواسطة" أمرا غير أخلاقي، لكن في الوقت الراهن أنت غير أخلاقي إذا لم تكن لديك "واسطة" أو إذا كنتَ مثاليا، لذا ما أريد أن أفهمه الحين، هل الواسطة عملا أخلاقيا أو غير أخلاقي؟
إذا كانت عملا أخلاقيا، لماذا نشتكي منها؟ ولماذا نضع القوانين لمكافحتها؟
وإذا كانت عملا غير أخلاقي، لماذا نعممها ونتعامل معها بحب ورحابة صدر وضرورة بل نجعلها القاعدة والمعيار؟
طبعا الواسطة قضية واحدة من قضايا كثيرة أكثر تشعبا وأكثر تشكيكا وأكثر مدعاة للنظر (ولن أقول للبحث والدراسة) لأنني سئمت من مسميات البحث والدراسة التي لا طائل منها ولا فائدة (ستين ألف لجنة لدراسة كذا وكذا وبالأخير...خمبش بو خمبش)!!
لكل فرد منا قضيته الأخلاقية... بل قضاياه الأخلاقية، لكن سؤالي، هل هناك قضية أخلاقية مشتركة بين أفراد المجتمع كافة؟؟!! وإذا كانت هناك إجابة أرجو أن تكون مباشرة نحو هذه القضية الأخلاقية مباشرة بلا كلمات مثالية ومقولات تجريدية...
ويقول نيتشه في الكتاب ذاته
شيء فظيع أن تموت عطشا في البحر، لم َ تضعون هذا القدر من الملح في حقيقتكم إلى درجة أنها لا تعود صالحة حتى لإرواء العطش.
ويقول أيضا
ليس النفاق انحطاطا للفضيلة، بل هو بالأحرى -في قسم كبير منه- شرط لها.
ويقول
ما يعتبره عصرٌ ما شرا، هو عادةً عاقبة لا زمنية لما كان يُـحسب خيرا في عصر مضى، إرث مثال قديم.
ويقول
لا يسيء غرور الآخرين لذوقنا إلا عندما يصطدم بغرورنا نحن.
ويقول
هناك فيض من الطيبة يشبه الخبث.
ويقول
ما يقلقني، ليس كونك كذبت عليّ، بل أنني لن أصدقك بعد الآن.
(في هذي المقولة ما قصدت شخص محدد، وكل واحد فيكم يحدد الشخص/الجهة/المؤسسة ويطبق عليها هالمقولة)...
يقول ويقول وقال وقال حتى تغيرت ألمانيا وأوروبا بعد كلماته!!!!!
.............
........
...
من الصعب أن تـُدار المؤسسات الحديثة ذات التقنية العالية والمتطورة في وقتنا الراهن بعقليات توقفت عن العمل منذ عقود عدة...
،،،،،،،،،،
،،،،،،،،
خاتمة نيتشوية
أحلام فتية، واها، واها، كلها وهم !
أولئك الذين ناديتهم في امتداد روحي
أولئك الذين ظننتهم تجددوا مثلي
تشدهم أذيّـة : لقد شاخوا !
وحدهم من يعرفون التبدل يبقون في صفي.
يا ظهيرة الحياة، يا شبابا ثانيا
يا حديقة صيف
أيتها السعادة المتلهفة، المترصدة، على انتظار!
أترقب الأصدقاء، بالأحضان، ليل نهار!
أيها الأصدقاء الجدد، تعالوا لقد آن الأوان
توقف النشيد القديم، وصرخة الشوق الناعمة همدت على شفتيّ.
فلاحَ ساحرٌ، في الساعة المقدرة
صديق أوج الظهيرة - لا، لا تسألوا
عمن يكون : ففي الظهيرة، يغدو الواحد اثنين.
لنحتفل الآن، متيقنين من نصر مشترك بعيد الأعياد.
فزرادشت هنا، الصديق وضيف الضيوف!
الآن تضحك الدنيا، ويتمزق الستار الردئ،
ها قد تزوج النور بالظلام !