20 فبراير 2009

غير المضحوك عليهم

لحظة لحظة قبل لا حد يفهمني غلط!!

غير المضحوك عليهم هذا عنوان رواية قرأتها مؤخرا للدكتور ياسر منجي استاذ الفن التشكيلي في مصر، فعنوان الرواية شدني وصممت أعرف من هم المضحوك عليهم ومن هم غير المضحوك عليهم.
وللتأكيد هذا غلاف الرواية :)

الكاتب يسير في خطيين يبدآن متوازيين، الخط الأول عن الواقع الاجتماعي والثقافي والديني والاقتصادي الحالي في مصر، بينما يسير الخط الثاني في تطور تاريخي بدءا من عام 1945 مرورا بثورة يوليو 1952 حتى ينتهي إلى نهاية عصر الرئيس السادات، ليلتقي الخطان في الوقت الراهن.
الرواية تتطرق إلى العلاقات بين البشر في المجتمع المصري، فالكاتب يعرض طبيعة العلاقات بين المسلمين واليهود قبل الثورة وكيف كانوا متعايشين، حتى تم العدوان الثلاثي عام 1956 ليطرد اليهود من مصر، إضافة إلى طبيعة المجتمع قبل الثورة وبعدها، ولاسيما قضية التعصب الديني الذي لم يكن موجودا.
اما في الوقت الراهن يغوص في أعماق المجتمع المصري، من خلال استاذ الفن التشكيلي فتحي عبدالباقي الإنسان المثالي من الطبقة المتوسطة، وعلاقاته بمحيطه في المجتمع، سواء مع جيرانه أو زملائه في العمل أو من خلال أبحاثه التي يقوم بها.
فعلى سبيل المثال علاقته بحسام عاصم صديقه من الطبقة العليا المبنية على الصداقة، وكذلك رئيس القسم حامد العلايلي وأسلوب الاضطهاد والكيل بعدة مكاييل في إدارة القسم من أجل مصالحه، وشخصية وسيم حجي التي تظهر في النهاية ذلك الشاب الذي يدرس كهاوٍ الفن التشكيلي ويتحول بسبب المعاناة والظلم إلى أمير جماعة، وكذلك بالنسبة لسموات الطالبة التي فشلت في حب استاذها الدكتور حسام عاصم فتتحول إلى داعية وعضوة ناشطة في جماعة أو أسرة غار حراء الدعوية المتشددة.
فضلا عن ذلك شدني الحوار بين وسيم حجي وحسام عاصم حين قدم الأخير بحثا عن الرموز الماسونية في الفن التشكيلي،
فقال وسيم
والدكتور قد خالف جماعة المسلمين أشد المخالفة بفعلته هذه، ونرجوا أن تكون زلة عارضة لا إصرار عليها، وندعوه أن يتوب منها وأن يعترف أنها سقطة كبرى، وأن يتعهد أمام جماعة المسلمين بأن يمحوها بخير منها، فالمسلم لا يتحالف مطلقا مع الشيطان، وليس للمسلم أن يلتمس الحقيقة من باب الشيطان...

ثم قال
كما وأنصح الدكتور بمراجعة نفسه وتصحيح أفكاره على أمهات الكتب الإسلامية وعيون المراجع الفقهية، وأرشح منها (في ظلال القرآن) و(المستقبل لهذا الدين) و(أفراح الروح) و(خصائص التصور الإسلامي) و(معالم في الطريق) وجميعها من تصانيف الشيخ الشهيد سيد قطب رحمه الله، وكذا (رسالة في أمراض القلوب وشفاؤها) و(الرد على اليهود والنصارى) للإمام ابن تيمية رحمه الله، وكتاب (أحكام أهل الذمة) للإمام ابن القيم رحمه الله، وإنني أنصح الجميع من إخوتنا بالعودة إليه واقتناءه فهو سفر تاريخي قيم لا غنى عنه لأي مسلم في أمر دينه...

واختتم وسيم حواره قائلا
كما وأذكر الدكتور بوجوب العودة للمتون مثل (زاد المستقنع) و(رياض الصالحين) و(بلوغ المرام من أدلة الحكام) ، وإني لأظنه مهتدٍ بإذن الله...
أما إذا أعرض الدكتور عن ذلك (...) فلا يقربنا ولا يتعرض لنا، فليس منا ولسنا منه، فإنه يكون ساعتها قد اختار فسطاط الكافرين ودار الآثمين، فلا نعامله إلا بمقتضى ما يعامل به المرتدين ولا نحاكمه إلا بحكم مبدلي دينهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون...

وعلى الرغم من عدم وجود عقدة مباشرة إلا أن أكثر شيء أثارني بعد قراءتها، هو ربط العنوان مع الأحداث.. فمن هم المضحوك عليهم، ومن هم غير المضحوك عليهم!!

إيه بالمناسبة انتبهت لموقف في الرواية حصل بين سلمى زوجة الدكتور فتحي عبدالباقي وسيدة منقبة لما ركبوا سيارة النقل
قالت المنقبة لسلمى
هي الأخت قبطية ولا مسلمة إن شاء الله؟
أصابها السؤال بالدهشة غير أنها أجابت بكونها مسلمة، فقالت المنقبة
لكن إيه الفرق بينك وبين أي قبطية وأنت سافرة بدون حجاب وتضعين المساحيق ولا ترتدين الزي الإسلامي الشرعي؟

ردت عليها سلمى في غيظ: هو فيه زي شرعي وزي غير شرعي؟
ردت المنقبة في استنكار: كيف لا تعرفين هذا؟ (...) فالمسلمة لا تستوفي شروط إسلامها ما لم تلتزم بارتداء الزي السابغ الذي لا يصف ولا يشف ولا يكشف...

المهم انتهى الحوار بهذه الكلمات للمنقبة
لا تناقشي ولا تجادلي في شيء أجمع عليه علماء الأمة، وعليكِ قبل أن تردي أن تتفقهي في أمر دينك...

بمناسبة الحجاب أو تغطية الرأس أو غيره من المسميات، قرأت رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى كنيسة كورنثوس، وتتعلق هذه الرسالة بمسألة تغطية الرأس، ويقول في الفصل 11 من الرسالة

أمدحكم لأنكم تذكروني دوما وتحافظون على التقاليد كما سلمتها إليكم। لكني أريد أن تعرفوا أن المسيح رأس الرجل، والرجل رأس المرأة، والله رأس المسيح. فكل رجل يصلي أو يتنبأ وهو مغطى الرأس يهين رأسه، أي المسيح، وكل امرأة تصلي أو تتنبأ وهي مكشوفة الرأس تهين رأسها، أي الرجل، كما لو كانت محلوقة الشعر.

وإذا كانت المرأة لا تغطي رأسها، فأولى بها أن تقص شعرها، ولكن إذا كان من العار على المرأة أن تقص شعرها أو تحلقه، فعليها أن تغطي رأسها. ولا يجوز للرجل أن يغطي رأسه لأنه صورة الله ويعكس مجده، وأما المرأة فتعكس مجد الرجل. فما الرجل من المرأة، بل المرأة من الرجل، وما خلق الله الرجل من أجل المرأة، بل خلق المرأة من أجل الرجل.
لذلك يجب على المرأة أن تغطي رأسها علامة الخضوع، من أجل الملائكة. ففي الرب لا تكون المرأة من دون الرجل، ولا الرجل من دون المرأة. لأنه إذا كانت المرأة من الرجل، فالرجل تلده المرأة، وكل شيء من الله.
فاحكموا أنتم لأنفسكم: هل يليق بالمرأة أن تصلي لله وهي مكشوفة الرأس؟ أما تعلمكم الطبيعة نفسها أنه من العار على الرجل أن يطيل شعره، ولكن من الفخر للمرأة أن تطيل شعرها؟ لأن الله جعل الشعر سترا لها.
فإن أراد أحد أن يعارض، فما هذا من عادتنا ولا من عادة كنائس الله.

14 فبراير 2009

الربعي وكويلو

اليوم عيد الحب


لا يهم كيف وُلدت قصة هذا اليوم، وكيف تم الاحتفال به... ولن أتعرض لها، فبفضل التكنولوجيا ومحركات البحث يستطيع كل إنسان أن يبحث عن قصة القديس فالنتاين الذي بسببه كان يوم الحب أو عيد الحب...
وكذلك لا تهمني الاجهتادات من البعض بتحريم أو تحليل هذا اليوم، اجتهد بعض الفقهاء وكان لهم اجتهادهم، فمن التزم من الناس بفتوى المنع فلنفسه، ومن لم يلتزم فلنفسه أيضا...


الذي يهمني من هذا اليوم، كيف نستطيع تحويله من احتفال لذكرى سنوية، أصبحت روتينية، إلى شيء أو فعل تكون له الذكرى، يعني
هل يمكن أن نصنع من هذا اليوم يوما إبداعيا في سبيل الحب أو أن يكون الاحتفال به بشكل غير تقليدي!!
مثلا: الحبيب ليس شاعرا لكنه في هذا اليوم يصبح شاعرا، الحبيب يمتلك موهبة موسيقية، فيبتدع لحنا خاصا لمحبوبه في هذا اليوم، أو يقدم هدية غير الهدايا المتعارف عليها، أو يبتكر وسيلة جديدة للتعبير عن الحب!!

يعني المهم تقديم شي غير تقليدي، غير روتيني، شيء جديد مبتكر...
لأن الورد الأحمر والكاكاو والدب الأبيض صارت أشياء روتينية مافيها أي نوع من التميز أو الإبداع أو المشاعر الحقيقية

بصراحة ودي أسوي مسابقة لأجمل وسيلة للتعبير عن الحب في عيد الحب...

وبس ما عندي شي يديد!!!!


--------------
موضوع كتبته ونشرته في جريدة الصوت قبل أسابيع مضت، وددت أن أعيد نشره في هذه المدونة، وهو عبارة عن حوار متخيل بين اثنين لم يجمعهما حوار مباشر لكنني قرأت حوارهما من خلال كتاباتهما... أتمنى أن يكون الموضوع ذا فائدة تذكر!!!


الربعي وكويلو...
حوار محبة روحي نسجاه من خيوط الواقع

من بقعتين بعيدتين حيث كانا... واحد من الشرق الأدنى والآخر من الغرب الأقصى... التقيا في حوار غير واقعي لكنه مفعم بالإنسانية التي قوامها المحبة، الأمل، التفاؤل، التسامح... بل قوامها الإنسان...

ربما كان هذا الحوار خيالا محضا، لكنه ليس بعيدا عن كل الواقع، لأن هذا الواقع "لا يفك طلاسمه إلا الراسخون في علم المحبة"...حوارهما الروحي الباحث عن الحقيقة مثير، شيق، متأمل مليء بالفلسفة، على الرغم من بُعد جسديهما بعداً يستحيل معه اللقاء في هذه الحياة الدنيا...


في بداية الألفية حدد الكاتب البرازيلي باولو كويلو بعض الأوضاع التي يجب أن يكون عليها الإنسان، فقال "جميع الناس مختلفون... ويجب أن يبذلوا جهدهم لكي يبقوا كذلك... لكل كائن بشري طريقتان للتصرف: الفعل والتأمل. والطريقتان تؤديان إلى المكان نفسه".ويضيف "لكل كائن بشري خصلتان: القدرة والعطاء. القدرة تقود الإنسان إلى مواجهة قدره، والعطاء يجبره على اقتسام أفضل ما لديه مع الآخرين".وهنا قال الراحل أحمد الربعي "هذه الرحلة العجيبة، التي اسمها الحياة، ألا تستحق منا عناء التوقف عن اللهث لصالح التأمل، والتوقف عن الصراخ لصالح الهدوء الجميل، والتوقف عن العناد لصالح التصالح مع النفس، ومع الزهرة البرية، والغيوم البيضاء التي أمطرت في مكان ما".



وقال الراحل الربعي "يبقى الإنسان أخا الإنسان مهما اختلفت الألوان والمعتقدات، ومهما بعدت المسافات والثقافات! هناك حزن عالمي جميل على ضحايا الزلازل الآسيوية، فالمأساة وحدت الناس، وصور الضحايا والمفقوين والمدن التي استباحها البحر، والأطفال الذين بلعتهم الأمواج، والعجائز الذين جرفتهم العاصفة جعلت التعاطف الإنساني مع الضحايا إحدى الصور الناصعة في التكاتف البشري!!। وهنا يقول كويلو "لكل كائن بشري مُنحت فضيلة: القدرة على الاختيار. ومن لا يستخدم هذه الفضيلة تتحول إلى لعنة ويختار الآخرون بدلا منه".ثم يقول "لكل كائن بشري نعمتان: نعمة التصويب بطريقة صحيحة، ونعمة الخطأ. في الحالة الثانية هناك دائما تعليم يقوده إلى الطريق القويم".

العالم ليس تعيسا


قال الراحل الربعي "ليس هناك عالم تعيس، هناك بشر اختاروا التعاسة، ليس هناك وقت جميل ووقت قبيح، الوقت قمة الحياد لا دخل له بكل ذلك نحن نملأه أحداث سعيدة فيصبح سعيدا أو نملأه بأحداث قبيحة فيصبح قبيحا، ليس هناك قلوب فارغة، الفرغ كما تؤكد علوم الطبيعة والفيزياء، وكما يؤكد علم المحبة، هو خرافة ووهم، كل فراغ لابد أن يمتلئ، قد يمتلئ الفراغ بمياه نقية تنبع من قمة جبل نظيف، وقد تمتلئ بمياه البالوعة الملوثة".


وهنا تحدث كويلو واصفا الجوانب المضحكة في البشر قائلا " إنهم يفكرون دائما بعكس ما لديهم... وهم مستعجلون للكبر ثم يتحسرون على طفولتهم الضائعة، يفقدون صحتهم لكي يملكوا المال، ثم يفقدون مالهم من أجل امتلاك الصحة... يفكرون بكثير من القلق في المستقبل بحيث أنهم ينسون الحاضر، وهكذا فإنهم لا يعيشون حاضرهم ولا مستقبلهم... يعيشون كما لو أنهم لن يموتوا أبدا، ويموتون كما أنهم لم يعيشوا أبدا".
ويضيف "لكل إنسان الحق في البحث عن الفرح، ونعني بالفرح ما يرضيه وليس بالضرورة ما يرضي الآخرين".


نورما والرزنامة السحرية

يذكر باولو كويلو موقفا حدث له مع سيدة مسنة تدعى نورما ويقول إنها "امرأة تناهز الستين، وتعمل في أماكن عدة في الوقت نفسه، ولا تكف عن تنظيم ترويجات واحتفالات وأمسيات موسيقية"، فسألها من أين تأتي بكل هذا النشاط فأجابت "لدي رزنامة سحرية، وأستطيع أن أريك إياها إذا أردت".
وذهب كويلو إلى بيتها وتناول تقويما قديما عليه خربشات كثيرة، فقالت له "حسنٌ، اليوم، هو اكتشاف اللقاح ضد شلل الأطفال، فلنحتفل لأن الحياة جميلة".
ثم يقول "كانت نورما قد نسخت على كل يوم من أيام السنة شيئا جميلا كان قد حدث في ذلك اليوم، لديها مبعث دائما للفرح".
وهنا طالب الراحل الربعي بأن نسعى إلى ما نحتاجه في هذا الزمن، وقال "نحتاج إلى الوداعة، إلى شيء من الدفء الإنساني النبيل، نحتاج إلى شيء من الهدوء وسط صخب لا يطعم ولا يغني من جوع".


وقال أيضا "نحتاج إلى أن نغفر ونتسامح، أن نتطرف في التسامح والمغفرة فلا شيء سوى المحبة، ولا يبيقى وسط هذا الضجيج سوى الخير ينتشر حاملا بذور الهدوء الجميل لكي ينام الأطفال بأمان، وترعى الغزلان بأمان، ويلتقي العشاق بأمان، ونمارس الهمس الجميل بأمان... نحن بحاجة إلى كثير من المحبة الضائعة".


الإنسان وأسطورته

بعيدا عن المفهوم التقليدي للأسطورة يقول كويلو " لكل إنسان أسطورة شخصية عليه أن يتمها، وهذه الأسطورة هي سبب وجوده في هذا العالم...وتتجلى أسطورته الشخصية من خلال حماسته لمهمته".
ثم يقول "يمكن للإنسان أن يهمل أسطورته الشخصية لبعض الوقت، بشرط ألا ينساها وأن يعود إليها عندما يكون ذلك ممكنا".

وهنا أطلق الراحل تساؤلاته " متى تتوقف حفلة النواح والتشاؤم التي تلف حياتنا برداء كثيف؟ متى يلقي الناس بنظاراتهم السوداء الكثيفة ليروا بحر وطني بزرقته، وأشجاره باخضرارها ووجوه الأطفال ببراءتهم!!".
وتساءل أيضا " متى يتوقف شبابنا وأطفالنا عن ترداد عبارة مالي خلق بكل برودة أعصاب معتقدين أن الحياة سهلة، وأن ما هم فيه من خير يمكن أن يستمر دون جهد، ودون تغيير حقيقي في نمط حياتنا، ونمط تفكيرنا!".
ثم قال " وطننا ليس وطن اللصوص وقاطعي الطرق، وبائعي ضمائرهم، ومهربي المخدرات، ولكنه وطن الأغلبية التي نستمد منها القوة والتفاؤل بالمستقبل!! أوقفوا حفلة القلق والتوتر والتشاؤم يرحمنا ويرحمكم الله".