حوارُ الأصدقاء
كان راكنا في زاويته البعيدة
حزينا أطبق الصمتُ على أوتارِهِ
نظرتُ إليه مشفقا
كأنه مريضٌ تدثـّر بدثارِهِ
قلتُ ما بالـُك يا هذا وأنت
الذي كان الفرحُ أسمى شعارِهِ
أطرقَ الرأسَ بغير ابتسامْ
وقال: أنت سببُ صمتي يا إنسانْ
أكرمتَ السلاحَ وقطـّعتَ الوترْ
وصنعتَ الرماحَ ونجرْتَ الشجرْ
ونارُكَ لا تـُبقي قط ُّ ولا تذرْ
فقلتُ له: يا صديقي أنت صديقي
وهذا هو دوما حالُ البشرْ
لا تسأمْ.. لا تأبه.. لا تسقمْ
اقتربْ مني ليعلوَ النغمْ
احتضنتـُهُ فابتسمْ
زال حزنـُهُ وقلبـُهُ انشرحْ
وقال لي يا فتى غنِّ لنا الفرحْ
تضاحكتِ الأوتارُ منتشية
هيا يا حبيبي داعبني
وبلغةِ اللحنِ حاورني
فتلاعبتْ أناملي بتلك الأوتارْ
وقررتُ البدءَ بلحنِ الحجاز كارْ
كلا ..قالتِ الأوتارْ
بل ابدأ من مقامِ الرستْ
ففيه الرواحُ وعذبُ الصوتْ
فقلتُ لأبدأ بمقام الصَّـبا
فهو نشوةٌ كعمرِ الصِّـبا
فقالتِ الأوتارُ: يا لك من حزينْ
وفي قلبـِكَ تأصَّـلَ همٌّ دفينْ
فابتسمَ العودُ وقال بإلحاحْ
أطرِبِ الفؤادَ براحةِ الأرواحْ
أنشِـدْ لنا الأطلالَ1 وأدِرِ الراحْ
فالطربُ لا يحلو إلا بقرعِ الأقداحْ
أطلقتُ صوتيَ صادحا يا فؤادي1
لكنه تحشرجَ.. فصرختُ أنادي
أسعـِفاني أرجوكما يا عودي وأوتاري
فالعبراتُ خنقـَتْ حنجرتي
صمتَ العودُ.. وهدّأتِ الأوتارُ زفرتي
وقالت لي: لا تحزنْ أبدا يا حياتي
وداعبني بنغمٍ من مقام البياتِ
فقلتُ لها
ما عادتِ الأنغامُ والمقامات الشرقيةْ
تنفعُ وتطربُ في زمنِ الراب والجازْ
وما عادَ يُمايـِلُ طربا مقامُ الحجازْ
ضاعتِ العُرَبُ والحِلياتُ والسيكا
والنهاودُ والعجمْ
واختلطتْ مفاتيحُ النغمْ
مي نصف بيمولْ وإيقاعُُ سماعي
من يهتمُّ بنغمي بل من يراعي
قالها ذاك المغني
يا من له الديسكو مهرب... ارجع إلى الرسْتِ واطرب
غنيت لك عودي .. رفرف على عودي2
آهٍ يا فنانٍ هَجَرَ المبدأ
بات كغيرِهِ يجري ِ وراء المادة
أصبح جنيُ المال لدى البشرِ عادة
أ تعلمان يا صديقيَّ
أن الإنسانَ بات غليـظ َ القلبْ
آهٍ يا صديقيَّ
ما أجملَ أن تصاحبَ جماداً
فهو لا يقسو عليكَ في العَتـَبْ
إنْ أخطأتَ مرةً فهو يسامحُـكَ
وإنْ كررتَ الخطأ َ ألحَّ عليك بالطلبْ
ويقول لك
يا ابنَ آدمَ انتبهْ
فبني جنسِكَ قساةٌ غلاظْ
يستقربونكَ إنْ أفلحتْ
يستبعدونكَ إنْ أخفقتْ
فقال العودُ لي مقاطعا
أنتَ لا تعلمْ
أن أبناءَ البشرْ
كأشكالِ الوترْ
كلٌّ له عزفٌ ونغمْ
منهم الهادئُ الناعمُ
ومنهم من هو شديدُ الألمْ
منهم من يستعذِبُـكَ لحنـُهُ
ومنهم من هو يؤذيكَ شانـُهُ
فيا صديقي الإنسان
افهمْ ولا تسأمْ
ومن مقالي هذا اعلمْ
أن الإنسانَ بلا إنسانٍ محزونٌ
وأن الفردَ بلا جماعةٍ مجنونٌ
كجنونِ الجمادِ حين يبقى وحيدا
فلا تكُ مجنونا يا إنسان
وبالحياةِ تمتعْ بلا حياءْ
انبـذ ْ البلاءَ والشقاءْ
فأنتم يا بشرُ سَواءْ
صمَتَ العودُ.. وأنا أناديـِهِ
وأكررُ النداءْ
ما بالـُكَ يا سيدَ الغناءْ
ما بالـُكَ يا سيدَ الغناءْ
ثم سمعتُ طرقا على باب حجرتي
كان صوتُ أمي الدافئ يناديني
يا حبيبي.. هيا إلى الغداءْ
--------------------------------------------
الكلمات باللون الأصفر هي مقامات موسيقية شرقية
الكلمات باللون الأخضر 1 هي أغنية الأطلال وبدايتها يا فؤادي
الكلمات باللون الأخضر 2 هي من أغنية ديسكو لخالد الشيخ