22 يناير 2007

قلمي قلمي

ما أجمل أن يعود الإنسان بذاكرته إلى الماضي
الماضي القريب أو الماضي البعيد..لا يهم، فالمهم هو العودة إلى الماضي لبضع دقائق أو ساعات
للتفكر والتذكر والتدبر
في ساعات قليلة
والسماء تغدق عطاءها الجميل من رذاذ منعش
والبحر يلهو مداعبا رمال شاطئه
عدتُ بذاكرتي
أو ربما هي عادت بي إلى ماض ٍ كان في يوم من الأيام ليس سحيقا بعيدا
عدتُ بذاكرتي إلى أول قصيدة أو حسب ما كانت تسمى "نشيدة" حفظتها حين كنت في الصف الأول الابتدائي، أعتقد كان ذلك في العام الدراسي 1979/1980 لا أتذكر بالضبط..المهم

كانت تلك النشيدة هي قلمي قلمي

قلمي قلمي .. نورُ الأممِ
أنت صديقي.. عند الضيقِ
أنت هنائي .. فيكَ رضائي
يوم نجاحي .. كنتَ سلاحي
نادوا حَوْلي .. وارعوا قَوْلي
يحيا القلمُ .. هو والعلمُ


كنا نرددها في الفصل بصوت واحد، صوت صدحت به حناجر أطفال فرِحين بتعلم شيء جديد، وكان معلمنا يحثنا على الإمساك بالقلم، والتلويح به عاليا أثناء الترديد
لم أدرك كنه هذه الحركة إلا بعد حين
فقد كنا نردد تلك الأنشودة دون أن نعي بالضبط ما ترمي إليه الكلمات..القلم وما أدراك ما القلم
فاكتشفتُ بعد مضي ردح من الزمن الغاية من التلويح بالقلم عاليا
فالقلم هو نور الأمم
والقلم أمانة ليت من يمسك به يدرك أهميته وخطورته

كما تذكرتُ أيضا تلك القصيدة أو الأنشودة التي حفظتها في الصف الثالث الابتدائي التي أدركت واستوعبت معانيها حين كنتُ أراقب طائر النورس وهو يطير حرا لا تقيده قيود
وعلى الرغم من أن الأنشودة تتحدث عن الطائر بين الشجر،إلا أن مشهد طائر النورس المحلق فوق البحر أعاد إلى ذهني تلك الأنشودة

يا طائرا ما أجملك.. يا زهرة في الشجرِ
أنت على الغصن مَلك.. مكللا بالزهرِ
سر في هواء حملك.. وطر بغير حذرِ
لولا جهاد أمّـِك .. يا طائرا لم تطرِ

وعلى الرغم من أن هذه الأنشودة كانت للأطفال، ولكن حين استذكرتها وقرأتها بعين البالغ الراشد، اكتشفتُ أن لها رموزا كثيرة.. الحرية..البيئة.. الأم.. التربية

فعلا كانت مناهج وزارة التربية ذات مغزى وهدف
القلم والحرية في المرحلة الابتدائية ولكن بشكل غير مباشر

ويبقى السؤال
لماذا تغيرت مناهج التربية.. ألا تذكرون الدرس الأول في الصف الأول الابتدائي..مع حمد قلم..فأصبحت أبي يأكل وأمي تشرب

08 يناير 2007

بنك الخدمات أو بنك العلاقات


مع بداية السنة الجديدة تذكرت ذاك الحوار الغريب الذي ورد في رواية الزهير للروائي البرازيلي باولو كويليو إذ دار هذا الحوار بين كاتب ناشئ وصاحب دار نشر

ما مصرف الخدمات
أنت تعلم.الجميع يعلمون
محتمل، لكنني لم أفهم قولك جيدا
أول من ذكر هذه العبارة كاتب أمريكي. هذا المصرف من أقوى المصارف في العالم، وتجده في نواحي الحياة كافة
نعم، لكنني أنحدر من بلاد تفتقر إلى أي تراث أدبي.ما من خدمات يمكنني تقديمها لأي يكن

يطول الحوار في بعض مقاطعه، لكنني سأختزل منه ما استطعت دون الإخلال بمضمونه..فيقول هذا الناشر أو صاحب دار النشر

...أبدأ بوضع ودائع في حسابك –ليست ودائع نقدية- أنت تعلم، إنما صِلات، أعرّفك بفلان وفلان، أدير بعض الصفقات ما دامت قانونية.تكون على علم بأنك مدين لي، لكنني لا أطالبك بأي شيء
وذات يوم
أواظب على مساعدتك ويرى الآخرون أنك من الأشخاص المحترمين والمخلصين، فيودعون ما يودعون في حسابك، وتكون الإيداعات دائما على هيئة صِلات، لأن هذا العالم قائم على الصّـِلات لا غير

ثم يضيف باولو على لسان الناشر أيضا

مصرف الخدمات استثمار خطر، شأنه شأن أي مصرف آخر. ترفض تأدية الخدمة التي طلبتها إليك، ظنا منك أني أساعدك لأنك أهل للمساعدة. لأنك الأفضل وعلى الجميع الاعتراف تلقائيا بموهبتك.حسنٌ، أشكرك عندئذ جزيل الشكر، وأطلب الخدمة من شخص آخر أودعت في حسابه ودائع مختلفة، ولكن من تلك اللحظة فصاعدا، سيعلم الجميع –من دون أن اضطر إلى التفوه بكلمة- بأنك غير جدير بالثقة

انتهى الاقتباس من الرواية


أثارني هذا الحوار ولاسيما أننا ولِجنا سنة جديدة نحتاج مع بدايتها إلى إعادة حسابات علاقاتنا وتصنيفها تصنيفا جديدا، كما جعلني أفكر في مصرف الخدمات هذا، وأتساءل ما إذا كان من الممكن تغيير هذا الاسم من مصرف الخدمات إلى مصرف العلاقات..العلاقات الإنسانية، وما هي نوعية الحسابات والودائع التي من الممكن فتحها لدى هذا المصرف، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن هناك ثلاثة أنواع من الحسابات
الأول الحساب الذهبي.. وهو الذي يضم الأفراد الذين يكونون من القرب بحيث لا يمكن الاستغناء عنهم من حيث العاطفة والمشاعر لا المصلحة، كالأم والأب وبعض الأقارب والأحباب والأصحاب
الثاني الحساب الفضي.. وهو الذي يضم الأفراد والأشخاص الذي نكن لهم معزة خاصة وتقديرا واحتراما ومكانة خاصة، وغالبا هم من الأصدقاء المقربين جدا
الثالث الحساب العادي..وهو الذي يضم العلاقات المختلفة، سواء أكانت تصاحبها مصلحة أم علاقة عابرة

وبتفصيل أكثر عن هذه العلاقات بين الناس، وكيف نصنف أصدقاءنا وأقاربنا وفقا لكشف حسابات هذا البنك، سأبدأ بذكر العلاقات من الأسفل إلى الأعلى، ثم أوضحها في رسم توضيحي على شكل هرمي،ولأبدأ بتفاصيل الكشف

علاقات عابرة..وهي العلاقات التي تستمر للحظات أو ساعات ثم تنتهي، وهي تعتبر القاعدة العريضة من العلاقات

علاقات ذات مصلحة مؤقتة.. وهي التي تبدأ بهدف مصلحة معينة، كإنهاء معاملة في وزارة ثم تنتهي فور انتهاء المصلحة

علاقات ذات مصلحة دائمة..وهي الاحتفاظ بالعلاقة لفترة أطول بهدف استمرار المصلحة أو حسب طبيعة المصلحة –سواء أكانت مصلحة قانونية أو غير قانونية- وهي أيضا تنتهي بانتهاء المصلحة لكن بعد فترة زمنية أطول

علاقات الزمالة في العمل..وهي تبدأ منذ بداية العمل وتنتهي مع نهايته، وهي تبدأ في الصباح وتنتهي مع نهاية ساعات العمل، كما أنها تبدأ مع بداية الحياة العملية وتنتهي بالتقاعد أو الاستقالة

علاقات الصداقة العامة.. وهي تكوين صداقات من مختلف الأشكال والجنسيات ومن مختلف دول العالم، ومن صورها اللقاءات العامة في المنتديات أو التجمعات وغيرها

علاقات الصداقة الخاصة.. وهي التي تضم الأصدقاء المقربين الذين نقاسمهم الهموم والأفراح والأتراح، ونشاركهم الأسرار، وفي الغالب لا يتجاوز عدد هذه الفئة عشرة أو عشرين شخصا، ومن صورها أصدقاء الديوانية

علاقات المحبة الدنيا..وهي التي يشترك فيها ثلاثة إلى خمسة أشخاص، فعلاقتهم الخاصة والرابطة التي تربطهم تفوق رابطة الصداقة الخاصة

علاقات المحبة العليا.. وهي التي يلتقي فيها اثنان أو ثلاثة على أبعد تقدير فتكون بينهم علاقة خاصة جدا، من صورها الحب العذري، والعلاقة الإنسانية الخاصة جدا جدا، إذ تربط بينهم رابطة عظيمة جدا بحيث تكون حياتهم مشتركة في أمور كثيرة تكاد تكون من الأمور الخاصة جدا

علاقات المودة والرحمة.. وهي أسمى العلاقات كافة، لأنها تشمل الأب والأم والأبناء والأسرة والأقربين جدا، فهي ليست مقصورة على الأسرة وحسب، بل قد يدخل فيها نفر من الأصدقاء لهم مكانة خاصة ورفيعة، كالذين ينطبق عليهم المثل القائل
ورب أخ لك لم تلده أمك


وتبقى علاقة لم أستطع تصنيفها، وهي العلاقة مع الذات، لأن لها شقين اثنين، الأول حب الذات أو الأنا النرجسية، والثاني حب الأنا مع الآخر، أيا كان هذا الآخر.لذا لم أستطع تصنيف هذه العلاقة، وأتركها لكل إنسان يصنفها حسب شخصيته

وأما الرسم الهرمي الذي يمثل حجم العلاقات وعدد الأفراد فيها فهو كالآتي
--- المودة والرحمـة
------الــمحبـة الـعليــا
---------المــحبـة الدنــيـا
------------الصداقة الخاصة
---------------الصـداقة العامــة
------------------الزمالة في العمل
----------------------مصـلحة دائـمــة
--------------------------مصلحـة مؤقـتـة
------------------------------علاقات عابـــرة

وإذا أردنا تصنيف تلك العلاقات وفق حسابات بنك العلاقات يتضح لنا الآتي
علاقات، المودة والرحمة والمحبة العليا والدنيا تندرج ضمن الحساب الذهبي
علاقات، الصداقات الخاصة والعامة والزمالة في العمل تندرج ضمن الحساب الفضي
علاقات، المصلحة الدائمة والمؤقتة والعلاقات العابرة تندرج ضمن الحساب العادي

قد أكون مخطئا في تصنيفي وفق نظرية باولو كويليو، ووفق بنك الخدمات، إلا أنني وضعت هذا التصنيف لكي أصنف معارفي وأصدقائي وأحبابي، وأضع كلّ َ واحدٍ منهم في موضعه المناسب في حياتي، وفق ذلك الرسم الهرمي

وأخيرا .. أعتذر عن الإطالة والإطناب في هذا الموضوع