27 أغسطس 2011

نــُــتــَــف 7 والأخيرة (شعب مثقف في أمسية كافكا)

هذه القصة ذكرها إبراهيم وطفي مترجم الآثار الكاملة لفرانز كافكا مع تفسيراتها. وهو موقف تعرض له أثناء ترجمته للآثار .
فقصة اليوم

من كتاب "الآثار الكاملة لفرانز كافكا مع تفسيراتها ج1 - الأسرة"، ويقول وطفي:
في عام 1914 تلا كافكا قصة الانمساخ لدى صديقه ماكس برود. وعن ذلك كتب في يومياته: سهرة جميلة عند ماكس. قرأت قصتي بسرعة جنونية.
وفي تموز 1924، بعد وفاة كافكا بشهر، كتب ماكس برود: "من أتيح له أن يستمع إلى كافكا وهو يتلو من آثاره، في حلقة صغيرة، بحماس يأخذ النفس، وإيقاع لن يبلغ مثل حيويته قط، كان يحس بشكل مباشر أيضا رغبة الإبداع الحقيقية الجامحة والولع الذي كان يقف وراء هذه الآثار".


بتاريخ 9 / 1 / 1995 حضرتُ أمسية أدبية قام أثناءها ممثل مسرحي بقراءة قصة الانمساخ. وكان ذلك في مسرح بلدة بادغودسبرغ التي يبلغ عدد سكانها نحو سبعين ألف نسمة (إداريا هي جزء من مدينة بون).
قبل أيام قليلة من هذه الأمسية كانت صحيفة محلية صغيرة توزع في البلدة وحدها قد نشرت في باب "الأمسيات الثقافية" إعلانا صغيرا جدا مؤلفا من الكلمات التالية: " الاثنين 9 كانون الثاني، الساعة 20، ردهة مسرح الجيب، روبرت غالينوفسكي يقرأ الانمساخ لفرانز كافكا (الدخول مجانا)".

في طريقي إلى المسرح تساءلت وفكرت : "كتبت قصة الانمساخ في زمان ومكان آخرين، في دولة أخرى، في مجتمع آخر، في عصر آخر، في عام 1912 في مدينة براغ التابعة لامبراطورية النمسا والمجر. ما علاقة هذه القصة بالناس في بلدة بادغودسبرغ في ألمانيا في عام 1995؟ من منهم قرأ هذه القصة؟ ولماذا قرأها؟ من يترك دفء منزله وشاشة التلفزيون ويتجشم عناء السفر في ليلة شتاء ماطرة من أجل أن يسمع أحدهم يتلو هذه القصة على مسامعه؟ مجرد تلاوة وسماع فقط، دون مقدمات، دون شروحات، دون نقاش؟ (معروف أن مثل هذه الأمسية تقتصر على التلاوة). هل أكون المستمع الوحيد؟"

وصلتُ باكرا قليلا، فوجدت نحو عشرين شخصا في القاعة. أخذت مكانا في الصف الأول على آخر كرسي. وعندما دقت الساعة الثامنة كان عدد الحاضرين قد بلغ ما يقرب المائتين، نساء ورجالا، أفرادا وأزواجا. تتراوح أعمارهم بين العشرين والستين عاما.

وعندما بلغت الساعة الثامنة والدقيقة الخامسة دخل ممثل شاب يرتدي ملابس يومية بسيطة، إلى خشبة القاعة، حيث كان قد وُضع طاولة بسيطة عليها قنينة ماء وكأس ومصباح مكتب. نزع الممثل معطفه ووضعه على الكرسي، وتناول من جيبه نسخة من كتاب الانمساخ، ووضعها على الطاولة. توجه إلى الحضور وقال : "أنا روبرت غالينوفسكي سأقرأ عليكم قصة الانمساخ لكافكا". وجلس، وبدأ التلاوة.

كانت تلاوة الصفحة الأولى تلاوة عادية لا تنبئ عن شيء غير عادي. لكن سرعان ما أصبحت التلاوة عملية تمثيل لا تختلف عن تمثيل دور على خشبة المسرح. صحيح أن الممثل ظل جالسا طوال الوقت، لكنه استخدم وسائله الأخرى في التمثيل: حركة اليدين، تعابير الوجه، والوصف بشكل خاص.
وكنت قد زحزحت الكرسي الذي أجلس عليه بشكل أستطيع معه أن أدير رأسي إلى الوراء دون عناء ودون لفت انتباه كبير. ومرات عديدة رحت أتجول بناظري في وجوه المستمعين، فلم ألاحظ سوى استغراقهم في الاستماع وكأنهم يحضرون مسرحية حقيقية.

وعندما انتهى الممثل من تلاوة القصة بكاملها دون أن يتجاوز كلمة واحدة، وقال: "هذا هو الحال"، ونهض واقفا، فاندلع تصفيق حاد طويل كما يجري بعد انتهاء مسرحية ناجحة.
وكان الناس متأثرين غاية التأثر. نظرت إلى ساعتي فكانت قد بلغت التاسعة تماما. أي أن قصة الانمساخ تُليَتْ بكاملها خلال خمس وخمسين دقيقة.
لا أظن أن أحدا من الحاضرين جاء إلى هذه الأمسية دون أن يكون قد قرأ القصة سابقا. لم يأت أحد إلا لأن القصة أثرت في نفسه ذات مرة، فحضر الآن كي يزداد إعجابه بها.


بعد أن تلقى الممثل تصفيق الجمهور بعدة انحناءات، تناول معطفه، ونزل عن الخشبة، وخرج. لحقت به أمام القاعة وهو يرتدي معطفه. قلت له: "شكرا. كانت تلاوة رائعة. لقد استمعت إليك لأنني أقوم حاليا بترجمة الانمساخ. سرّ وسأل: "إلى أي لغة؟" قلت "إلى العربية". فظننت أنني لحظت في عينيه نظرة اندهاش. اتسعت حدقتا عينيه وقال: "الموضوع واحد في العالم كله".

أتمنى أن تكون هذه النــُــتــَــف حازت القبول...
وهذا هو الحال .. وكل عام وأنتم بألف خير

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

شكرا استمتعت بقراءة جميع القصص

اختيار موفق خصوصا أمسية كافكا حقا شعب مثقف وواعي لا يلتفت الى الشكليات

sologa-bologa يقول...

chaotic posha

شكرا على المتابعة والقراءة
أمسية كافكا.. ما أقول إلا :

هذا هو الحال


ودمتم بحب وود

غير معرف يقول...

عندي سؤال أتمنى أن تجيبه
ما هي قصة الانمساخ؟ حاولت البحث عنها ولم اجدها

عندك فكره عن اسمها باللغة الانجليزية؟

sologa-bologa يقول...

الترجمة الدارجة للرواية باسم
المسخ

وبالانجليزي
The Metamorphosis