المشربُ ليس بعيدا ً 1
قالها ذاك المتشرّدُ الجميل 2
تذكرتُ قوله حين كنتُ أبحثُ
عن مشربٍ في هذا الليل
أيها المشرَّدُ المتشردْ
أ تدري أنك لستَ وحدك
من يبحث عن مشرب؟
كثيرون هم من يبحثون
لكن قليلين من يجدون
ذلك المشربَ البعيد
أتدري لماذا نبحثُ عن مشرب؟
لأننا نريد أن نشرب
لا يهم ماذا نشرب
بل المهم أن نشرب
نشرب وحسب
***
صديقتي تشرب الكوكاكولا
ثم تلعن أمريكا
وتطالب بمقاطعة البضائع الأمريكية
صديقي يشرب الجاك دانيال
وحين يسكر
يصرخُ بأعلى صوتِهِ
الموت لأمريكا
***
النادل يرمقني بنظرةٍ
كأنه يسألني
ألا تريدُ أن تسكرْ
فأقول له
أريد أن أشربَ نبيذاً أحمرْ
يصبُّ في كأسي ثلاثَ قطرات
لأتذوقها .. وتذوقتها
فأعدتُ الكأس إليه
إن نبيذ َك هذا مُر
فقال
إنه النبيذُ الأحمر
وكرر سؤاله
ألا تريدُ أن تسكر
***
أمعنتُ السمعَ إلى ذاك المشرَّدِ
وهو يكلم صاحبته
وكان يقول
نخبُكِ نخبكِ سيدتي
لن يتلوث منك سوى اللحمِ الفاني
فالبعضُ يبيع اليابسَ والأخضرْ
ويدافعُ عن كل قضايا الكون ِ
ويهربُ من وجهِ قضيتِهِ 3
***
نظرتُ إلى صديقتي وقد أفرغتْ
الكوكاكولا في جوفها ثم صرختْ
قاطعوا البضائع الأمريكية
وكان صديقي منشغلا ً
يملأ ُ كأسَهُ بالثلج.. فسألتُه
أهي الكأس الثانية ؟
ابتسم لي وقال
أنت لا تفقه علم الحساب
ولا تعرفُ عن طقوس السُّكْرِ شيئاً
***
وسمعتُ صوتَ ذاك المشرَّدِ يتردد
اسقنيها وفدى خفيكِ من يشربُ خمراً
وهو لا يعرفُ للخمرِ مقاما
أيها الشاربُ إن لمْ تكُ شفافا ً رقيقا ً
كزجاج ِ الكأس ِ لا تدخلْ طقوسَ السكرِ
والكينونةِ الكبرى فسوء الخمرِ يؤذي
بينما يقتلُ سوءُ الخُلق
فاشربها كريما ً دمثا ً
تطمعُ أن النارَ تستثني الكِراما 4
***
ساد صمتٌ غيرُ طويل
والنادلُ يضحكُ ويسألني
ألا تريدُ أن تسكرْ
لكنني أدرتُ وجهيَ عنه ناحية َ ذاك المشرد
وإذا به يصرخُ
سأبول عليه وأسكر
ثم أبول عليه وأسكر
ثم تبولين عليه ونسكر 5
ضحك النادلُ ملء شدقيه
فبانت أسنانُهُ الصفراء .. وقال
إن كلَّ من يسكر لابد أن يبولْ
ألا تريدُ أن تسكرْ
فقلتُ له
أ صحيحٌ ما تقول ؟
إذن
اسقني نبيذاً أبيض
غمز بعينه اليمنى
أنت تبحثُ عن السلام
ابتسمتُ له وقلت
وعليكم السلام
***
صديقتي تطلبُ الكوكاكولا مجدداً
ثم تصرخ
لا للبضاعة الأمريكية
وصديقي يعبُّ من كأسِه
ربما كانت الكأسَ العاشرة
لأنه بدأ يغني
عيناكِ وتبغي وكحولي ... والقدحُ العاشرُ أعماني 6
***
اكتظ المشربُ بالسكارى
والمشردُ الجميل يواصل صراخـَه
القدسُ عروسُ عروبتكم
أهلا ً أهلا ً 7
تمنيتُ أن يتوقفَ عن صراخِهِ
وأقول له مهلا ً
لكنه واصل الصراخ
فلماذا أدخلتم كلَّ زناة الليل إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمعَ وراء الأبواب
لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكتَ صونا للعرض 8
***
ولا تزال صديقتي تشرب الكوكاكولا
وتصرخ.. لا ثم لا ثم لا
لا للبضائع الأمريكية
وصديقي مستمرٌ بغنائهِ
ماذا أعطيكِ أجيبيني ... قلقي إلحادي غثياني
ماذا أعطيكِ سوى قدرٍ ... يرقصُ في كفِّ الشيطان ِ 9
ضحك النادلُ أكثر وأكثر
وكرر سؤاله لي
ألا تريدُ أن تسكر
ونظرتُ إلى ذاك المتشردْ
ما انفكَّ بكلماتِهِ يغردْ
تتحرك دكة ُ غسل ِ الموتى أما أنتم
لا تهتز لكم قصبة ْ
الآن أعريكم .. الآن أعريكم
فما أشرفكم .. فما أشرفكم 10
***
وصديقتي عبَّت ما عبَّت من الكوكاكولا
ثم صمتت
وصديقي يصدحُ ويغني بصوتٍ
لا أكادُ أسمعُهُ
أنا ألفُ أحبكِ فابتعدي .. فابتعدي .. فابتعدي 11
والنادلُ اغرورقت عيناه من الضحك.. ويسألني
ألا تريدُ أن تسكرْ
-------------------------------------------
1 من قصيدة في الحانة القديمة مظفر النواب
2 لقب أطلقه الدكتور أحمد الربعي في إحدى أربعائياته على المشرد ذاته
3 من قصيدة في الحانة القديمة
4 من قصيدة أيها القبطان
5 من قصيدة في الحانة القديمة
6 من قصيدة نهر الأحزان لنزار قباني
7 من قصيدة وتريات ليلية مظفر النواب
8 من قصيدة وتريات ليلية
9 من قصيدة نهر الأحزان
10 من قصيدة وتريات ليلية
11 من قصيدة نهر الأحزان