18 أبريل 2007

بطـعـم الـكـــــرز


دلـَفتْ متوجهة ً نحو أريكتِها المعتادة
جلستْ، ثم أخرجتْ سيجارة من العلبة الذهبية
أشعلتـْها ثم نفثتْ دخانا معبَّـقا بأنفاسها الزكية
تملكتني رغبة ٌ عارمة ٌ أن أتنشق هذا الدخان
يغريني تدخينـُها هذه الأنثى
داعبتْ خُـصلاتِ شعرها المنساب فوق كتفيها
كانت يداها ترتجفان فاقتربتُ منها
تلامستْ راحتا يدينا كما تـُلامِسُ الموجة ُ شاطئها
يداها باردتان
أ خائفة أنتِ؟ ..سألتـُها
أومأتْ نعم برأسها
فعيونُ الأعمدةِ تراقبنا
وآذانُ الحوائطِ تسمعنا
لا تأبهي.. قلت لها
فأنا وأنت وحبة ُ الكرز ثالثـُنا
احتضنتـُها، فتسرب الدفءُ إلى جسدينا
همستُ في أذنها
لا تخافي
فأنا وأنت وحبة الكرز ثالثـنا
طبقٌ فارغٌ إلا من حبة كرزٍ كان أمامنا
سبرتْ أغوارَ عينيّ بنظرةٍ باسمةٍ عيونـُها
ثم التقطتْ حبةَ َ الكرزِ ورفعتها بين وجهينا
اللذين كانا كقمرٍ وشمس
فابتسمتْ حبيبتي وقالت بهمس
ها هي الأرضُ بيننا
من سيلتهـِمُها قبل الآخر
فهجمنا على حبةِ الكرز، والشوقُ يدفعنا
كم كان لذيذا طعمُها
فقد تلذذتُ بسلسبيل رائق
ولستُ أدري إن كنتُ
تذوقتُ طعمَ حبةِ الكرز في شفتيها
أم تذوقتُ طعمَ شفتيها في حبةِ الكرز
راق لي هذا الطعم كثيرا، فطلبتُ المزيد
وحظينا بالمزيد
رفضتْ شفتانا الانفصال
واختلطتْ أنفاسُـنا
ودام الوصال
أغمضنا عيوننا في حلم جميل
وأناملي تراقصُ شعرَها الطويل
حلمٌ جميل.. حلمٌ جميل

فجأة.. ودون سابق إنذار
جاء النادل ذو السحنة السمراء يسألني
Do you want another coffee, sir?

فأجبته والدهشة على وجهي
Yes, without sugar please

فأجاب مبتسما
Sure

وحبيبتي لا تزال على أريكتها الوثيرة جالسة وحيدة
تنفث دخان سيجارتها

وأنا
وحدي سأرشف قهوتي
وأمجُّ دخان سيجارتي
وأواصل البحث عن حبة الكرز

كان خيالا أهديه إلى كل العاشقين في الكون

10 أبريل 2007

مشــاهـــــد

انتهى الحفل الوطني

وقف المطرب فوق المسرح مستعدا لبدء الحفل الموسيقي
بمناسبة اليوم الوطني، والفرقة الموسيقية تأهبت واستعدت
وفي هذه اللحظة..وصل موكب صاحب العظمة
فهاج الجمهور في موجات من التصفيق الحار
ثم بدأ الحفل
غنى المطرب وشدا بأغنيات وطنية وحماسية
تغزل بحب الوطن
تمايل طربا.. وتجاسر شجاعة
عبر بأحاسيسه عن حبه للأرض
للشجر.. وللبحر وللقمر
أجهد جسدَهُ وتصبب عرقـُهُ
والفرقة أخلصت في عزفها ساعات طويلة
وفي منتصف الحفل
همّ صاحب العظمة بالمغادرة
فهاج الجمهور مرةً أخرى في موجات من التصفيق الحار
غادر صاحب العظمة
توقف التصفيق وخلا المسرح من الجمهور
وما يزال المطرب في مكانه
والفرقة في مكانها.. ينتظرون من يصفق لهم
ولكن
غادر صاحب العظمة
إذن انتهى الحفل




إذن.. بوس الواوا

شاب في بداية حياته وريعان صباه
كان ساخطا من كل شيء وعلى كل شيء
يشكو الوضع الحالي
ويشتـُُم المسؤولين ويسب الحكام والرؤساء
أعجبتـني ثورته، فسألته
هل تعرف ساطع الحصري
قال:لا
حسن البنا
قال:لا
سيد قطب
قال:لا
جورج حبش
قال:لا
ميشيل عفلق
قال:لا
خليل حاوي
قال:لا
مارتن لوثر كنغ
قال:لا
جون بول سارتر
قال:لا

صمتُ قليلا، ثم سألته
هل تعرف هيفاء وهبي
قال:طبعا

صمتُ قليلا ثم ابتسمتُ وقلت له
إذن.. بوس الواوا


ثلاثة في الظلام

جلسوا ثلاثتهم قبالة البحر
يصغون السمع إلى هدير موجه
توجهتُ نحوهم سائلا
هل ترونَ في الأفق حرية؟


قال الأول

أراني في الثلاثةِ من سجوني ... فلا تسأل عن الخبر النبيث
لفقدي ناظري ولزوم بيتي ... وكوْنِ النفسِ في الجسمِ الخبيث

صمتَ قليلا ثم قال

يرتجي الناسُ أن يقومَ إمامٌ ... ناطـقٌ في الكتيبة الخرساءِ
كذب الظنّ لا إمامَ سوى العقـل مشيرا في صبحهِ والمساءِ
فإذا ما أطعتـَهُ جلـب الرحــمة عند المسير والإرسـاءِ
.........................................................
فانفرِدْ ما استطعتَ فالقائلُ الصادقُ يُضحي ثِقلا على الجلساءِ


قال الثاني

لن أطيل عليك الكلام
وسأروي لك هذا الحوار الذي دار بين طالب وأستاذه
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: ألا تفسر هذا الصراع الذي نحن فيه
منذ أعوام طويلة، والذي يفسد علينا أمورنا كلها؟
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى:
وماذا تريد أن أفسر لك! إنه الصراع
بين الحرية التي تريد أن يكون جنودُها أبطالا، والمنفعةُ التي يريد أن يكون جنودُها أرقاء
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: ومن أجل ذلك قلَّ أبطالُ الحرية وكثر طلابُ المنفعة؟
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: هو ذاك


قال الثالث

لا تسلني يا فتى فإجابتي قاتمة

ثم أنشد قائلا

أنا من حنيني في جحيمٍ آهِ من حر الحنينِ
أنا تائهٌ في غيهبٍ شبح الردى فيه قريني
ضاقت بيَ الدنيا دعيني أندبُ الماضي دعيني
وأنا السجينُ بعقرِ داري فاسمعي شكوى السجينِ
بهزال جسمي باصفراري بالتجعد بالغضونِ
وطني وما أقسى الحياة به على الحر الأمين
وألذ بين ربوعه من عيشتي كأسُ المنونِ


ولما هممتُ بالمغادرة لفت انتباهي أنهم
كانوا بصيرين لكنهم غيرُ مبصرين

فسألتُ الأول من أنت
قال أنا سجين المعرة
وسألتُ الثاني من أنت
قال أنا عميد الأدب
وسألتُ الثالث من أنت
قال أنا البلبل الحيران

03 أبريل 2007

الكماليات والضروريات


في البوستين السابقين، كتبت عن الباطن والظاهر عند المتصوفة في تحليل مبسط لمسرحية (سيمورغ) للأديب المتصوف فريد الدين العطار كما كتبت عن الجمال وفلسفة الجمال وأهمية تنمية الحس الجمالي والذوقي لدى الناس ناقلا عن الفيلسوف الألماني هيغل نظرته لعلم الجمال

لكن ما لفت انتباهي في التعليقات من قبل الزملاء المدونين خلط المفاهيم بين الكمال والضرورة وما إذا كان الفن من الكماليات أو من الضروريات إذ اعتبر بعضهم أن الجمال شيء كمالي وأعتقد أن قصدهم من كلمة كمالي هو شيء غير ضروري لذا لابد من توضيح المفاهيم ولاسيما الفرق بين الكمالي والضروري

فالإنسان يحتاج إلى الضروريات ويسعى جاهدا مجتهدا إليها ولاسيما في كسب لقمة العيش وإشباع الرغبات الأساسية لديه،ولكن هل إشباع الرغبات الأساسية وحده يكفي؟
وإشباع الرغبات الأساسية المتمثلة في المأكل والمشرب والملبس هي إشباع للرغبات الدنيا للإنسان أي إشباع رغبات الجسد، بينما إشباع الرغبات الحسية وخاصة الفنية والجمالية هي إشباع لرغبات العين والأذن والإحساس الداخلي التي لا يمكن الاستغناء عنها، لذا وجب توضيح المفاهيم والتفريق بين الضروري والكمالي

واستشهد في هذه النقطة بمقالة كتبها المفكر عباس محمود العقاد بعنوان الفنون الجملية ضرورية حيث يقول

الحق يا صاحبي أننا في عصر نحتاج فيه إلى غربلة وافية لجميع الألفاظ التي لهجنا بها زمنا في مطلع نهضتنا الحديثة، ومنها ألفاظ الضروريات والكماليات وتقديم الأهم على المهم والمفاضلة بين العلوم والفنون، وسائر هذه المحفوظات التي خلت من المدلول لكثرة تكرارها واكتفاء الآذان بسماعها دون التفكير فيها

ويسعى العقاد إلى التفريق بين مفهومي الضروري والكمالي فيقول

فنحن إذا حصلنا على الرغيف فأقصى ما نبلغه في تحصيله أن نتساوى وسائر الأحياء في إشباع الجسد وصيانة الوظائف الحيوانية.ونحن إذا حصلنا الفنون الجميلة فما نحن بأحياء وحسب، ولا بأناسي وحسب، ولا بأفراد وحسب، بل نحن أناسي ممتازون نعيش في أمة ممتازة، تحس ما حولها وتحس التعبير عن إحساسها

ثم يقول

إن الضروريات توكلنا بالأدنى من مراتب الحياة، أما الذي يرفعنا إلى الأوج من طبقات الإنسان فهو ما نسميه النوافل والكماليات، أو هو ما نستغني عنه ونعيش
فإن كنا لا نبغي إلا أن نعيش كما تعيش الأحياء كافة فحسبنا الضروريات المزعومة إلى حين، حسبنا الخبز حتى يجيئنا من ينزع الخبز أيضا ونحن لا نقدر على دفاعه، ولا نطيق غير الخضوع له والصبر على بلائه
وإن كنا نبغي أن نعيش "أكمل" العيش فلا غنى إذن عن الكماليات لبلوغ الكمال، ولا معدي إذن عن اعتبار الكماليات من ألزم الضروريات

وفي هذا الخصوص يضعنا العقاد في ميزان ذي كِفتين مع الغربيين ليكشف عن الفارق الهام بين العرب والغرب..فيقول

فالغربيون لا يفوقوننا بالعلم المصنوع (..) إنما يفوقنا الغربيون بالعلم الملحوظ لا بالعلم المصنوع: يفوقوننا بعلم الملاحظة والابتكار والاختراع، يفوقوننا بالعلم الذي يحتاج إلى عين لا تفوتها الرؤية، وبديهة لا يفوتها الإدراك، وخيال لا يفوته تركيب الصغائر وضم الأجزاء إلى الأجزاء حتى يتألف منها المصنوع الجديد

ثم يقول بتساؤل

فالرجل الذي يسأل: ما فائدة الفنون الجميلة؟ هو كالرجل الذي يسأل: ما فائدة العين؟ وما فائدة الأذن؟ وما فائدة الشعور؟ وما فائدة الحياة؟

فيجيب على هذا السؤال بالقول

إن الفنون الجميلة ضروريات في الأمم وإن عدت نوافل في آحاد الناس، وإنها ضروريات لمن ينشد "العيش الأكمل" ولا يقنع بكل عيش وإنها ضروريات لمن يسأل: كيف نسود؟ وإن كانت هباء عند من يسأل: كيف نعيش؟ وأحرى به أن يسأل: كيف نموت؟ فعيش هذا وموته سواء

إذن أن نعيش من أجل الضروريات وحسب فهذا يعني أننا نعيش كسائر الأحياء لا فرق بيننا وبينهم سوى الكلام والعيش المنظم الذي يخلو من تحريك الحس الجمالي فينا، بينما أن نعيش بهدف بلوغ الكمال بأشغال الحس الفني والجمالي فينا فهو غاية إنسانية سامية لأنها تلامس الشعور وتفتح آفاقا للخيال والتصوير

ويبقى السؤال
هل نبقى حبيسي الضروريات وإشباع رغبات الجسد كسائر الأحياء أم نسمو إلى الكمال ونشبع الإحساس والشعور والتمتع بفنون الشعر والرسم والنحت والموسيقى والغناء والمسرح؟