14 نوفمبر 2007

أنــا وجـــودي

وجودي، نعم أنا وجودي، وليس بالضرورة أن يكون الوجودي ملحدا، كما يعتقد كثيرٌ من الناس ولاسيما من يرفضون التفكير بعقل متفتح أولا ما هي الوجودية؟
هي فلسفة، جوهرها أن الإنسان.. يقف وحده أمام المجهول، وأنه مضطر دائما أن يختار حياته وقوانينه، وأن يكون مسؤولا عن هذا الذي اختاره، وأن مسؤوليته هذه أمامه وأمام الناس جميعا، وأن الناس معه دائما
والوجودية أيضا هي فعل مستمر يقوم به الإنسان عندما يفتش في نفسه وخارجها عن إمكانيات الحياة. إنها تبحث عن الحياة، يقوم به الفرد دون تقيد بأسماء أو عناوين أو لافتات أو حملة المباخر من كهنة التاريخ أعداء الإنسانية
المادة 30 من دستور الكويت
الحرية الشخصية مكفولة
إذن أنا حر في اختيار توجهي في الحياة ومنهجي وفلسفتي..حسب ما أعتقد، ولكن هل هذه الحرية للفرد مكفولة حقا، وحرية قول ما أريد مكفول أيضا
المادة 36 من الدستور
حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون
وهل أعيش وحدي لكي أكون حرا أم أعيش مع أناس آخرين، وهل يؤثر هؤلاء الآخرون على رأيي وحياتي وتوجهاتي أم هم لا يؤثرون، وهل بإمكاني أن أعيد النظر في وضعي الخاص الفردي وأنا وسط المجتمع
يقول الوجوديون..الفرد يجب أن يكون له رأيه في الناس حوله، ولكن الفرد يولد عادة فيجد له اسما وطبقة اجتماعية ولونا ودينا وحزبا سياسيا ونقابة مهنية، فمن حقه أن يعاود النظر في هذا كله، وأن يوقع بإمضائه على كل هذه الشيكات التي أعدت له ليوقعها على بياض، من حقه أن يعرف لماذا وقع هنا ولحساب من؟ وهل لهذه الشيكات رصيد أو أنها شيكات بلا رصيد؟ وإن كان للإنسان الفرد دين معين ومعيشته في مجتمع له دين مغاير، فليس معنى ذلك أن يموت بأقليته، وأن يتحطم بصراخ الأغلبية
لابد إذن أن يكون له موقف من نفسه ومن الناس.. إنه حر
وإن آمنتُ أنا بالحرية، هل يؤمن غيري بها، أم أنهم يكرهونها وبالتالي يكرهون الوجودية؟
يقول الوجوديون..نعم يكرهها الذين يخافون من الوجودية، لأنها تنبه الناس إلى جوهرهم فالإنسان الحر هو الذي قام بعمل من الأعمال فأصبح مسؤولا عنه، لأن الحر وحده هو المسؤول عما يعمل، أما العبد الذليل فليس مسؤولا عن شيء، لأنه ليس حرا في عمل شيء

والمجتمع؟؟
والمجتمع الذي يحس أفرادُهُ بأنهم أحرار، هو المجتمع الذي يحس أفرادُهُ بأنهم مسؤولون عما يفعلون. إنهم مجتمع من الرجال، وليس مجتمعا من الأطفال أو الأرقاء

والدين وحرية الاعتقاد؟
يقولون.. هل لأن بعض الوجوديين مؤمن وبعضهم كافر، تصبح الوجودية شرا وكفرا؟ هل إذا كانت الوجودية دواء ابتكره بعض المسيحيين، يصبح حراما على المسلمين استخدامه والاستفادة منه؟ إننا نريد حياة ووعيا تحت أي أضواء فلسفية أو دينية أو لا دينية أو أدبية

إذن أنا أملك حق الاختيار؟
يقولون.. الاختيار هو الفعل الذي يميز بين الإنسان وبين غيره من الحيوانات والجماد.. فالفرد هو وحده الذي يوجد، والوجود معناه التغير في حدود الإرادة أو حدود الشخصية وإرادة الله
والإنسان الذي يختار ويقرر ويتردد ويخاف ويقلق ليس هو العالم، بل هو الفنان، بل هو الإنسان.. أما العالم فليس حيا، بل هو مستمر في عاداته، وتأملاته كاستمرار الصخور

إذن ما هي القيود؟
يقولون
من الذي يصنع القيود من حديد؟
من الذي يمد ساعديه لهذه القيود؟
من الذي يضع الورد على القيود ويصلي شاكرا؟
إنه الإنسان
من الذي يمد لسانه إلى السكين؟
من الذي جعل من شعر رأسه قضبانا من حديد، يعتقل وراءها أفكاره؟
من الذي يضع عدادا لدقات قلبه؟
من الذي يمسك الكأس كل يوم ويرى حريته في أن يظل عبدا لها؟
إنه الإنسان
من الذي يصنع الوتد بيديه، يسويه بأصابعه، ويقبله بفمه، ويخاطبه بقلبه؟
من الذي يصنع آلات الإنتاج.. ويتحول عرقه إلى زيت، ولحمه إلى شحم، ودمه إلى فحم؟
إنه الإنسان دائما
حاولت أن أحدد القيود التي تقيدني في هذه الحياة وبدأت تعدادها
ولدت.. ومن المؤكد سيأتي يوم النهاية، إذن هذان أول قيدين ليس لي مهرب منهما..ثم رأيتُ الآخرين موجودين إذ لا يمكن أن أكون وحيدا في هذه الحياة.. وأيضا ولدتُ من عائلة لها أصل وجذور ولا يمكن تغيير أصولي وجذوري وانتمائي العائلي.. إذن هذه القيود التي أعيش ويعيش كل إنسان لا يستطيع تغييرها..الولادة والموت والآخرون والأصول
ووجدت قيودا أخرى بعضها أستطيع تغييره وبعضها لا أستطيع، مثلا ولدتُ كويتيا وهذا القيد أحبه كثيرا وسأبقيه مدى الحياة، فكثير من البشر يحبون تغيير جنسياتهم وأنا لست منهم، ولدتُ وقد تم تحديد الدين الذي سأدين به (وإن فكرت بتغييره سيتبرأ مني المجتمع)، وبالتبعية فقد ولدتُ ووجدتُ أنني انتمي لمذهب أيضا لم أختره (وإن فكرت بتغيير مذهبي سيتبرأ مني أهلي)..فهل استطيع أن أغير ديني ومذهبي اللذين لم أخترهما؟
أحب الموسيقى والفن والمسرح لكن أهلي لم يسمحوا لي بدراستهم، فكانت دراستي غير ما أحب، وكان اختياري بين يدي لكنني وضعتُ قيداعلى نفسي وهو إرضاء أهلي..أما اختيار الوظيفة كان باختياري نوعا ما وتحقق ما أريد أيضا نوعا ما
وبعد هذا.. هل أنا قادر على اتخاذ قراراتي الشخصية التي لن تضر أحدا بحرية مطلقة؟
يقول الوجوديون..إننا كالسمكة التي وقعت في الشبكة ولكن من أين جاءت خيوط الشبكة؟
هذه الخيوط قد صدرت عنا، كما تصدر خيوط الحرير عن دودة القز التي تنسج كفنها وتموت
فالمجتمع الذي نولد فيه مليء بالقيود، قيود الأسرة وقيود الدين وقيود الطبقة.. والإنسان هو الذي يختار من القيود ما يشاء ويرفض منها ما يشاء
الشخصية ليست حالة، وإنما هدف، إنها غاية يعمل الإنسان لتحقيقها.. إنها كفاح وانتصار على العبودية، عبودية الأسرة والمال والسياسة والدين والمجتمع
وكلما ارتبط الإنسان بما هو شخصي كان أسمى، وكان أكثر حرية، وكلما كان ارتباطه بما ليس شخصيا كان أحط.. أو كان حيوانا
إذن هل حريتي في خطر؟
يقول الوجوديون.. الخطر إذن يوجد عندما يوجد الآخرون من الناس
كل إنسان يقاوم نظرة الآخرين، لأن نظرة الآخرين عبث به، وبحريته وبوجوده
إن حريتي في خطر، وحريتك أنت الآخر في خطر.. إنني لست وحدي، ولذلك لست ُ حرا
إن نظرات الآخرين هي الجحيم! لقد قالها سارتر في أروع مسرحياته..في مسرحية جلسة سرية
واستشهد بهذا الموقف الذي اقتبسته من كتاب الوجودية لأنيس منصور كما اقتبستُ آراء الوجوديين إذ يقول
وقد حدث في أوائل الثورة الروسية أن كان الفيلسوف الوجودي برديائيف يلقي محاضرة في الفلسفة الوجودية، فلم يكد يفرغ منها حتى همس في أذنه صديق قائلا:إنك تجدف
فقال الفيلسوف: وكيف؟
قال صديقه: إنك تتحدث عن حرية الفرد وعن الاستقلال العقلي ضد طغيان الجماعة واستبداد الحاكمين..إن هذه سلعة تجمعها الحكومة من السوق تمهيدا لاعتقال المتجرين بها
فقال الفيلسوف: ولكن هذا رأيي
فقال صديقه: ليس لأحد هنا رأي.. أنا صديقك وأحبك.. فانجُ إلى بلد أكثر دفئا من سيبيريا، لقد سمعتهم يهمسون.. وكل شيء يبدأ همسا ولكن الأعمال صارخة
الوجودية والحب
وفي الحب يقول الوجوديون.. الحب هو أن أكون بلا حرية، ولكن بكامل حريتي
ومن ينظر إليه باعتباره متعة جسدية، وهذه النظرة حيوانية خالصة لأن الشهوة تربطنا بالحيوان، ولكن الذي يربط الإنسان هو الحب، والحب مسألة شخصية وليست مسألة حيوانية
وليس في الحب ما هو مشروع أو ما ليس مشروعا، لأن الحب حرية شخصية لا تقيد بقيد، والحب مسألة شخصية، وكل ما هو شخصي لا يخضع لأي قانون.. إنما يخضع للقانون كل ما هو ليس شخصيا
والعمل الفني هو نوع من اللقاء أو نوع من العناق
فالفنان العظيم هو الذي يعانق موضوعه عناقا طويلا..وعلى قدر العناق يكون الأثر الفني
ما هو الفن إذن.. إنه عناق.. إنه حب
إن الفن حب، والوجود حب
والحكمة تقول: قل لي كيف تحب أقل لك من أنت
زبدة القول
كل إنسان فينا وجودي..لأنه هو اللي يختار طريقه ومنهجه في الحياة، وإذا أنا اخترت أن أكون ليبراليا فهذا لا يعني أنني أرفض من يخالفني بالفكر، لأنني يجب أن أحترم حريته واختياراته هو، ومن يقرر أن يكون انتماؤه دينيا يجب أن لا يفرض سيطرته وفكره علي وعلى عقلي فرضا اجباريا.. وجادلهم بالتي هي أحسن وليس قاتلهم
وهذا ما أتمناه
أن يحترم الآخرون اختياراتي وحريتي
أن احترم اختياراتهم وحريتهم، على أن لا يعتدي أحدُنا على حرية الآخر
أن أقرأ الكتاب الذي أريد دون قيود أو منع أو وصاية، لأن لي عقلا يفكر ويختار ويقرر
أن أمارس كل ما أريد دون أن أتعدى على حرية غيري
وبدون لحد يقول لي هذا عيب وهذا ممنوع الناس شيقولون عنا؟
أن و أن و أن .. والقائمة تطول لكن الأهم هو
الاحترااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااام
وكما قال الشاعر
إني عشقت وهل في العشق من باس.. ما مر مثل الهوى شيء على راسي
مالي وللناس كم يلحونني سفها ... ديني لنفسي ودين الناس للناس
سؤال أخير: هل أنت موجود؟
لن أجيب بل أترك الإجابة في مسرحية بيت الدمية للكاتب النرويجي هنريك إبسن وخاصة الحوار الأخير الذي دار بين الزوجة نورا وزوجها هلمر الذي آخذ منه هذه الفقرات
نورا: أقصد أنني انتقلت من بين يدي أبي إلى يديك، ولقيت نفس المصير،كنت أعيش من يدي لفمي، كنت أعيش كالشحاذ تماما...لقد أسأت لي أنت وأبي، إنك أنت الذي أحلت حياتي إلى لا شيء، إلى عدم
هلمر: هذا غير معقول، هذا عقوق منك. ألم تكوني سعيدة قط؟
نورا : لم أكن سعيدة قط
هلمر: لم تكوني سعيدة؟
نورا: كنت مرحة وحسب، وكنتَ أنت تعطف علي، لم يكن بيتنا سوى قاعة استقبال وحديث، وكنتُ هنا الزوجة الدمية كما كنت عند أبي الطفلة الدمية
ويستمر الحوار حتى يصل إلى هذا المقطع
نورا: إنني أولا وقبل كل شيء إنسان مثلك تماما. أو على الأقل أحاول أن أكون إنسانا. إنني أعرف أن أكثر الناس يوافقونك على رأيك،وكذلك يقولون في الكتب، ولكن هذا وذاك لم يعد يقنعني ويجب أن أفكر وحدي ومن جديد، يجب أن أعرف، يجب أن أفهم بوضوح لنفسي وبنفسي
هلمر: ألا تدركين هذا بوضوح؟ أليس لك دين؟
نورا: لم أعد أدري ما الدين؟
هلمر: ماذا تقصدين؟
نورا: إن كل ما أعرفه عن الدين إنه يقول كذا وكذا كل هذا سأبحثه بنفسي من جديد.. سأمحصه.. عندما أقف وحدي