كثيرا ما نسمع هذه الجملة "ما شاء الله ولدكم مثقف"... أو "مثقف عنده دكتوراه أو جامعي مثقف"... أ حقا ولدنا مثقف أو جامعي مثقف أو دكتور مثقف؟!
في معاجم اللغة العربية الثقافة هي الفطنة والذكاء وسرعة التعلم إضافة إلى الفعل ثقف بمعنى صادف، ووردت في القرآن "فاقتلوهم حيث ثـقـفـتموهم". ولا ننكر محاولة بعض المفكرين العرب تطوير هذا التعريف لمفهوم الثقافة، كقول عبدالرحمن منيف "شاعر القبيلة ليس مثقف اليوم".
وأما في الغرب -وبعد صراع طويل- فهم ينظرون إلى المثقف على أنه الإنسان الذي يستطيع إعادة انتاج المعلومة، أو بمعنى آخر أن يكون مستهلـِكا ومنتِجا للمعرفة -فالمعرفة أعمق من العلم والتعلم- أي عدم الاكتفاء بأخذ (نقل) المعلومة بل إعادة قراءتها وإنتاجها من جديد، وتشمل هذه العملية مناحي الحياة كافة، بمعنى أنها لا تقتصر على جوانب وقطاعات محددة (فكرية وعلمية) بل تشمل الحياة الأدبية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والفنية والجمالية والانثروبولوجية والطبيعية وتفاصيل الأمور والمشاغل الحياتية اليومية.
إذن، الثقافة ليست حكرا على فئة معينة من الناس بل هي متاحة للجميع، وبإمكان كل إنسان أن يكون مثقفا ... ولكن كيف تكون مثقفا؟!!
كل هذه الوسائل هي مصادر للمعلومات والتعليم... لكن ، هل يكون الحصول على المعلومة ثقافة؟! معظمنا -إن لم نكن كلنا- متعلمون.. فهل نحن مثقفون؟ ليس بعد، فهناك خطوات أخرى ليكون الإنسان مثقفا.
إذن هذه الخطوة التالية، أن يتحقق الإنسان من المعلومة المنقولة إليه أو المكتسبة، وذلك باتباع عدة وسائل أو مناهج أو طرق للتحقق، كاتباع المنهج الاستقرائي أو الاستنباطي أو التجريبي أو الجدلي أو غيره من المناهج لكي يتم التحقق من المعلومة وعدم الاكتفاء بالنقل عن الأولين. أي محاولة نقد المعلومة. فبهذه الخطوة ينتقل الإنسان من المتعلم إلى العارف. أي من التعليم (التلقي والتلقين) إلى المعرفة (التحقق والتيقن)... وبعد الوصول إلى المعرفة هل يصبح الإنسان مثقفا؟ ليس بعد فهناك خطوة أخرى.
السؤال الأول الذي ينجم في هذه المرحلة هو "لماذا؟"... فإذا كانت المرحلة السابقة (المعرفة) حاولت الإجابة على السؤال "كيف؟"... فهذه المرحلة تتساءل وتسأل في "لماذا"، أي السبب... وهذه أصعب المراحل لأنها تتطلب جهدا شاقا للوصول إلى الأسباب ومن ثم النتائج، كما أنها تحتاج مناهج أكثر تعقيدا لدراسة وبحث المعلومة بعد التحقق من صحتها... لكن لابد من أن يكون لدى الإنسان منهج يسير عليه في رحلته الفلسفية، سواء كان المنهج عقليا (تأمليا) أو حدسيا (عرفانيا) أو تجريبيا (حسيا) أو غيره من المناهج (مع ملاحظة أن حديثي عن المناهج وليس المذاهب: فبإمكان كل إنسان أن يحدد المذهب الذي يريد، ويختار المذهب الأقرب إلى نهجه)... هل تريد أن تصبح مثقفا الآن؟
في المرحلة الثانية كان السؤال المطروح (كيف) ... وصف المعلومة للتحقق من صحتها لبلوغ المعرفة التامة في شأنها.
في المرحلة الثالثة كان السؤال المطروح (لماذا) ... أسباب ونتائج هذه المعلومة بعد التحقق من صحتها.
في المرحلة الرابعة كان السؤال المطروح (هل)... هل أستطيع إعادة إنتاج هذه المعلومة بعد بحثها؟؟ فإذا كانت الإجابة نعم ... إذن أنت مثقف... أما إذا كانت الإجابة لا ... فأنت إنسان متميز لأنك بحثت وسعيت إلى تحقيق إنجاز في حياتك.
ملاحظة: هذا التصنيف من عندي، يعني لا هو نظرية ولا هو أسلوب عام للتفكير، فهو مجرد سلم أو خريطة وضعتها لنفسي... قد تكون هذه الخريطة صحيحة ومناسبة وقد لا تكون... لكنها محاولة لوضع قاعدة للبحث عن ما هية المثقف!!! لأن هذا السؤال يؤرقني كثيرا ... من هو المثقف؟! لاسيما مع ازدياد أعداد من ينسبون أنفسهم إلى الثقافة أو ينسبون الثقافة إليهم... مع فهامية زايدة.