20 مايو 2011

أفعى زيدان ونعاج داود

في يوم ما، انتهيتُ من قراءةِ روايةِ "ظل الأفعى" للدكتور يوسف زيدان. ومن قرأَ الروايةَ الأفعوية (وليست الأفعوانية)، لابد أنه سَما إلى المعنى الرحيمِ والمقدسِ للأفعى قبل أن تتبدلَ المعاني لتـُمْسيَ الأفعى صورةً للشيطانِ (حسب المفهومين التوراتي والإنجيلي) وللسمِّ و الدواءِ (حسب المفهوم العلمي) وللرعبِ والخوفِ. وبمعنىً آخرَ، الانتقالُ من مفهومِ المقدسِ إلى المدنَّسِ، وتحوّل الأنثى [وليست المرأة] من قداسةِ الآلهةِ إلى نجاسةِ الحيضِ وصورةِ الوعاءِ والاستهلاكِ الجنسي.

في نفس اليوم الذي انتهيتُ فيه من قراءةِ الروايةِ كانت إذاعةُ القرآنِ الكريمِ تمطرُ بالآياتِ المُحكماتِ والمتشابِهاتِ، ومنها هذه الآيةِ:

وهل أتاكَ نبؤا الخَصْمِ إذ تسوّروا المِحرابَ (21) إذ دخلوا على داودَ ففَزِعَ منهم قالوا لا تخَفْ خَصْمانِ بغى بعضُنا على بعضٍ فاحكُمْ بيننا بالحقِّ ولا تُشْطِطْ واهْدِنا إلى سواءِ الصِّراط (22) إنّ هذا أخي لهُ تسْعٌ وتسعونَ نعجةً وليَ نعجةٌ واحدةٌ فقال أَكْفِلْنيها وعَزَّني في الخِطاب (23) قال لقد ظَلَمَكَ بسُؤالِ نعجتِكَ إلى نعاجهِ وإنّ كثيرًا من الخُلطاءِ ليبغي بعضُهُم على بعضٍ إلا الذين آمنوا وعمِلوا الصالحاتِ وقليلٌ ما هُمْ وظنَّ داودُ أنّما فَـتَـنَّاهُ فاستغْفرَ ربَّهُ وخرَّ راكِعًا وأناب (24) فغفرْنا لهُ ذلكَ وإنّ له عندنا لزُلْفى وحُسْنَ مَآب (25).
سورة ص

الأفعى والنعجة.. ليست كلمةُ النعجةِ الواردةُ في النصِّ القرآنيِّ هي محلَّ الإثارةِ بل ما وردَ في تفسيرها. وهذا ما قالوه:

الطبري
وإنّما كنّى بالنَّعْجَةِ ها هنا عن المرأة, والعرب تفعل ذلك; ومنه قول الأعشى: قدْ كنت رائدها وشاة مُحَاذِر حذرًا يقلّ بعيْنِهِ إغفالهَا يعني بالشاة : امرأة رجل يَحْذَر الناس عليها; وإنما يعني: لقد ظلمْت بسؤال امرأتك الواحدة إلى التسع والتسعين من نسائه.

الجلالين
"إنَّ هذا أخي" أي على ديني "لهُ تسْع وتسْعونَ نعجة" يُعبَّر بها عن المرأة "ولي نعجة واحدة فقال أكْفِلْنيها" أي اجعلني كافلها "وعزَّني" غَلَبَني "في الخِطاب" أي الجِدال وأقرَّهُ الآخر على ذلك. "قالَ لقد ظَلَمَك بسؤالِ نعجتك" ليضمها "إلى نعاجه وإنَّ كثيرًا من الخُلطاء" الشُّرَكاء "ليبْغِيَ بعضهم على بعض إلَّا الذينَ آمنوا وعملوا الصَّالحات وقليل ما هُمْ" (...) "وظنَّ" أي أيقنَ "داود أنما فَتَنَّاهُ" أوقعناهُ في فتنة أي بَلـِيَّة بمحبَّـتِهِ تلك المرأة "فاستغفَرَ ربّه وخرَّ راكعًا" أي ساجدًا.

القرطبي
أي قالَ الملَك الذي تَكَلَّمَ عَنْ أوريا " إنَّ هذا أخي " أي على ديني, وأشارَ إلى المُدَّعَى عليه. وقيلَ: أخي أي صاحبي. " لهُ تسع وتسعونَ نعجة " (...) . والعرب تـُكَنِّي عن المَرأة بالنعجة والشَّاة; لما هي عليه من السُّكون والمَعْجِزَة وضعْف الجانِب. وقد يُـكَنَّى عنها بالبقرةِ والحُجْرَة والنَّاقة; لأنَّ الكل مَركوب (...).

لم أكتفِ بهذه التفاسير، بل تتبعتُ أصلَ القصة حتى وجدتها في سفر صموئيل (11 و12). وتقول:


داود وبتشابع
ولما جاء الربيعُ، وهو وقت خروجِ الملوكِ إلى الحربِ، أرسلَ داودُ يوآبَ والقادةَ معهُ على رأسِ كلِّ جيشِ بني إسرائيلَ، فسحقوا بني عمُّونَ وحاصروا مدينة رِبَّةَ. وأما داودُ فبقيَ في أرشليمَ.
وعند المساءِ قام داودُ عن سريرهِ وتمشّى على سطحِ القصرِ، فرأى على السطحِ امرأةً تستحمُّ وكانت جميلةً جدا. فسأل عنها، فقيلَ له :"هذه بَتشابَعُ بنتُ أليعامَ، زوجةُ أوريّا الحِثّيِّ". فأرسل إليها رسلا عادوا بها وكانت اغتسلت وتطهرت، فدخل عليها ونام معها، ثم رجعت إلى بيتها. وحين أحسّت أنها حبلى أعلمته بذلك.

فأرسلَ داودُ إلى يوآبَ يقول :"أرسِلْ إليَّ أوريّا الحِثّيِّ" فأرسله. فلما جاء سألَهُ داودُ عن سلامةِ يوآب والجيشِ وعن الحربِ، ثم قال له :"إنزلْ إلى بيتِكَ واغسِلْ رجليكَ واسترحْ". فخرج أوريّا من القصر وتبعَتهُ هديةٌ من عند داودَ. فنام على باب القصرِ مع الحرسِ ولم ينزلْ إلى بيتِهِ. فلما قيلَ لداودَ :"أوريّا لم ينزلْ إلى بيتِهِ"، دعاهُ وقال له :"أما جئتَ من السفرِ؟ فما بالُكَ لا تنزلُ إلى بيتِكَ؟" فأجابَهُ أوريّا :" تابوتُ العهدِ ورجالُ إسرائيلَ ويهوذا مقيمونَ في الخيامِ، ويوآبُ وقادةُ سيدي الملكِ في البريّةِ، فكيف أدخلُ بيتي وآكُلُ وأشربُ وأنامُ مع زوجتي؟ لا وحياتِكَ، لا أفعلُ هذا".

فقال له داودُ :"أقِمْ هنا اليومَ، وغدا أصرِفُكَ". فبقيَ أوريّا ذلك اليومَ في أورشليمَ، وفي اليومِ التالي دعاهُ داودُ، فأكلَ معه وشربَ حتى سكِرَ. ثم خرجَ مساءً، فنامَ حيثُ ينامُ الحرسُ، ولم ينزلْ إلى بيتِهِ.
فلما طلَعَ الصباحُ كتبَ داودُ إلى يوآبَ مكتوباً وأرسلَهُ بيدِ أوريّا، يقول فيه :"وجِّهوا أوريّا إلى حيثُ يكونُ القتالُ شديداً، وارجِعوا من ورائِهِ فيضرِبَهُ العدوُّ فيموتُ". وكان يوآبُ يحاصرُ المدينةَ، فعيّنَ لأوريّا موضِعاً عَلِمَ أنَّ للعدوِّ فيه رجالاً أشداءَ. فخرج رجالُ المدينةِ وحاربوا يوآبَ، فسقطَ لداودَ بعضُ القادةِ ومِنْ بينهم أوريّا الحِثِّيِّ. فأرسلَ يوآبُ وأخبرَ داودَ بكلِّ ما جرى في الحربِ. وقال يوآبُ للرسولِ :"بعدما تُخبِرُ الملك بكلِّ ما جرى في الحربِ، وإذا ثارَ غضبُهُ وقال : لماذا دنوتُم من سورِ المدينةِ لتحارِبوا؟ أما تعلمون أن الذين فوق السورِ يرمونَكُم بالسّهامِ؟ من قتَلَ أبيمالِكَ بن يروبَّشْثَ؟ أما هي امرأةٌ في تاباصَ رمتْهُ بحجرِ طاحونةٍ من فوقِ السورِ فقُتِلَ؟ فلماذا دنوتم من السور؟" إذا قال لك هذا الكلامَ أجِبْهُ :"عبدُكَ أوريّا الحِثِّيُّ أيضا مات".

فذهبَ الرسولُ إلى داودَ وأخبرَهُ بجميعِ ما أمرَهُ به يوآبُ، وقال لداودَ :"قَويَ علينا الأعداءُ وخرجوا لقتالِنا في البريّةِ، فطاردناهم إلى بابِ المدينةِ، فرمانا العدوُّ بالسهامِ من فوقِ السورِ، فماتَ البعضُ من قادةِ الملكِ، وقٌتِلَ أيضا عبدُكَ أوريّا الحِثِّيِّ". فقال له داودُ :" هذا ما تقولُ ليوآبَ :" لا يُحزِنُكَ ذلك، لأن السيفَ لا يرحَمُ أحداً. تابعْ هجومَكَ على المدينةِ ودمِّرْها. قُلْ له ذلك حتى يتشجَّعَ".
وسمِعت زوجةُ أوريّا أن زوجَها ماتَ، فناحت عليه. ولما انتهت أيام مناحتِها، أرسلَ داودُ وضمَّها إلى بيتِهِ، فكانت زوجةً له وولدت له ابناً. واستاءَ الربُّ مما فعلَهُ داودُ.

عقاب داود وتوبته
فأرسلَ الربُّ ناثان النّـبيَّ إلى داودَ، فجاءَهُ وقال له :" كان رَجُلانِ في إحدى المدنِ، أحدهما غنيٌّ والآخرُ فقيرٌ. وكان للغنيِّ غنمٌ وبقرٌ كثيرةٌ جدا، ولم يكن للفقيرِ غيرُ نعجةٍ واحدةٍ صغيرةٍ اشتراها وربّاها وكبُرت معهُ ومع بنيهِ، تأكلُ من لُقمَتِهِ وتشربُ من كأسِهِ وترقُدُ في حُضنِهِ، وكانت عندهُ كابنَتِهِ. فنزل بالرجلِ الغنيِّ ضيفٌ، فلم يشأ أن يأخذَ من غنمِهِ وبقرِهِ ليـُهَيّئَ طعاما للضيفِ، بل أخذ نعجةَ الرجلِ الفقيرِ وهيَّأها طعاماً له". فغضبَ داودُ على الرجلِ الغنيِّ جدا وقال لناثانَ :" حيٌّ هو الربُّ، الرجلُ الذي صنعَ هذا يستوجِبُ الموتَ. بدلَ الواحدةِ يرُدُّ أربعاً جزاءَ ما فعلَهُ دون شفقةٍ".

فقال ناثانُ له :" أنتَ هو الرجلُ. هذا ما قال الربُّ إلهُ إسرائيلَ: أنا مسحتُكَ ملِكاً على بني إسرائيلَ، وأنقذتُكَ من يدِ شاوُلَ، وأعطيتُكَ بيتَهُ وزوجاتِهِ، وجعلتُكَ ملكاً على إسرائيلَ ويهوذا معاً، وإن كان ذلك قليلاً فأنا أضاعِفُهُ لك. فلماذا احتقرتَ كلامي وارتكبْتَ القبيحَ في عينيَّ؟ قتلتَ أوريّا الحِثِّيَّ بالسَّيفِ، سيفِ بني عَمـّونَ، وأخذتَ امرأتـَهُ زوجةً لك. والآن جيلاً بعد جيلٍ لن يموت أحدٌ من نسلِكَ إلا قتلاً، لأنك فعلتَ هذا".

"وهذا أيضا ما قال الربُّ: ها أنا أثيرُ عليك الشرَّ من أهل بيتِكَ، وآخذُ زوجاتِكَ وأدفعُهُنَّ إلى قريبِكَ فيضاجعُهُنَّ في وضحِ النهارِ. أنت فعلتَ ذلك سرّاً، وأنا أفعلُ هذا الأمرَ على عيونِ جميعِ بني إسرائيلَ وفي وضحِ النهار". فقال داودُ لناثانَ :" خطئِتُ إلى الربِّ". فقال له ناثانُ :" الربُّ غفرَ خطيئَتَكَ فلا تموتُ. ولكن لأنكَ استَهَنتَ بالربِّ بفعلكَ هذا، فالابنُ الذي يولدُ لك يموتُ". وانصرفَ ناثانُ إلى بيتِهِ.
موت ابن داود
وولدت زوجةُ أوريّا لداودَ ابناً فضربَهُ الربُّ بمرضٍ شديدٍ. فتضرعَ داودُ إلى اللهِ من أجلِ الولدِ، وصامَ ونامَ لياليَه على الأرضِ. فالتفَّ حولَهُ شيوخُ بيتِهِ ليُقيموهُ عن الأرضِ، فرفضَ ولم يأكلْ معهم. فلما جاءَ اليومُ السابعُ ماتَ الصبيُّ، فخافَ رجالُ حاشيةِ داودَ أن يخبروهُ بموتِهِ لأنهم قالوا :" عندما كان الصبيُّ حيّاً كنّا نتكلمُ فلا يسمعُ لكلامِنا، فكيف نقولُ له : ماتَ الصبيُّ؟ يُمكنُ أن يؤذيَ نفسَهُ".

ورآهُم داودُ يتهامسونَ، فأدركَ أنّ الصبيَّ ماتَ، فقال لهم :" هل ماتَ الصبيُّ؟" فقالوا :" ماتَ". فنهضَ عن الأرضِ، واغتسلَ وسرَّحَ شعرَهُ، وغيَّرَ ثيابَهُ، ودخلَ بيتَ الربِّ، فسجدَ ورجَعَ إلى قصرِهِ وطلبَ طعاماً فأكلَ. فقال له رجالُ حاشيتِهِ :" ماذا فعلتَ؟ حين كان الصبيُّ حيّاً صُمتَ وبكيتَ، فلما ماتَ قُمتَ وأكلتَ طعاماً؟" فأجابَ :" حين كان الصبيُّ حيّاً صُمتُ وبكيتُ لأني قلتُ: من يعلمُ؟ لعلّ الربَّ يرحمُني ويحيا الصبيُّ. وأما الآن فهو مَيْتٌ، فلماذا أصومُ؟ هل أقدِرُ أن أردَّهُ؟ أنا أذهبُ إليهِ، أما هو فلا يرجعُ إليَّ".
وعزّى داودُ بتشابَعَ زوجتَهُ ودخلَ عليها ونام معها، فولدتِ ابناً سمّاهُ سُليمانَ. وأحبَّهُ الربُّ، وكانَ حبُّهُ هذا على لسانِ ناثانَ النبيِّ الذي سمّاهُ يَديديّا.
(يديديا أي حبيب الرب)

سؤال:
لماذا يُسمى "الذكرُ" رجلاً وتـُسمى "الأنثى" امرأة؟
مع إن امرأة هي تأنيث امرئ.. ومرأة تأنيث مرء !
وبالمقابل، فإن كل شيء يمشي على رجله يسمى راجلاً  فهو رَجُل والأنثى راجلةً فهي رَجُلة!
لماذا لا نسمي "الذكر" مرء أو امرئ مثل ما نسمي "الأنثى" مرأة أو امرأة !!

17 مايو 2011

قصائد... مجرد قصائد 5 (نيتشه)

مجنون في قنوط

واحسرتاه !  ما كتبتهُ على الطاولة والجدار
بقلب مجنون فـيّ ويـــدِهِ
عليه أن يزيـّـن لي الطاولة والجدار...

لكنكم تقولون : "يدا المجنون تخربشان،
ويجب تنظيف الطاولة والجدار
إلى أن يغيب آخر الأسطر!"

بإذنكم، سأعينكم في ذلك،
فقد تعلمتُ استخدام الممسحة والمكنسة،
كناقدٍ وعاملٍ يدوي.

ولكن عندما الشغلُ ينتهي،
أحب أن أراكم، يا كبار الحكماء،
بالبراز تلطخون الطاولة والجدار