20 مايو 2007

تحديييييييييييييث

إجازة
ونعود قريبا
بعون الله
ولكن قبل المضي في هذه الإجازة
أود إشراك الأحباء والأعزاء في قراءة
هذه القصة للكاتب الأديب التركي
عزيز نيسن
وهي بعنوان
لنتقدم..لننهض..لنسمو

أليست هذه حكاية.. ما دامت كذلك فسنبدأ القول : كان يا كان. لو لم تكن حكاية وكانت خطبة، كنا سنبدأ الكلام: أيها المواطنون. لكل حديث بداية خاصة به
نعم. كان يا ما كان.. وبعد؟ "كان في قديم الزمان، كان الغربال في التبان، وجني وأنسي بالكرة يلعبان، وبناء حمام خربان،إن هذه التي نسميها حكاية تبدأ دائما بالسجع.. إنه سجع لركام من الكلمات..كلمات لا معنى لها رصف بعضها وراء بعض
حسن. وماذا حدث بعد هذا؟ بعد ذاك؟ لأقل يا سيدي. كان ثمة دولة على هذه الأرض، الدول كثيرة على سطح الأرض، ولكن الحكاية التي سنحكيها لكم تجري في هذه الدولة
كان ثمة دولة على هذه الأرض، وكان بين سكان هذه الدولة ثلاثة أشخاص. فكر هؤلاء ثم قالوا :لنذهب ونسح في دول أخرى، ولنر ماذا يوجد هناك. وفعلوا ما فكروا به. ذهبوا إلى الدول الأخرى. وساحوا فيها. عندما عادوا إلى دولتهم قال أحدهم: أنا تعلمت شيئا جديدا في الأمكنة التي زرتها
سألوه:ماذا تعلمت؟
قال: تعلمت قول لنتقدم. لنتقدم
قال له مواطنوه: صحيح لنتقدم ياه
قال الرحالة الثاني
وأنا تعلمت شيئا جديدا في الأمكنة التي زرتها
سألوه:ماهو؟
قال: لننهض، لننهض.. هذا ما تعلمته
قال له مواطنوه: صحيح، لننهض ياه
قال الرحالة الثالث
وأنا أيضا تعلمت شيئا جديدا في الأمكنة التي زرتها
سألوه: ماذا تعلمت؟
قال: لنسمو. لنسمو.. هذا ما تعلمته
فقالوا: صحيح جدا، لنسمو ياه
منذ ذلك اليوم أصبح الناس عندما يحادث بعضهم بعضا يقولون
لنتقدم.. لننهض.. لنسمو
ومع السنين اعتاد الناس على هذه الكلمات لكثرة تكرارها حتى أصبحت تستخدم بدل السلام، ونـُسيت كلمات "مرحبا، أهلا وسهلا، صباح الخير، مع السلامة، أستودعك الله،عندما يلتقي صديقان في الطريق يقول أحدها للآخر
لنتقدم
يرد عليه الآخر
لنتقدم. لنتقدم
عندما يتعارف شخصان ويصافح كل منهما الآخر يقول الأول
لننهض
يهز الآخر يد المصافح الأول قائلا
لننهض.. لننهض
ويلوح الأصدقاء مع المودعين لصديقهم الذي يركب السفينة ويصرخون
لنسمو
ويلوح الذي في السفينة بمنديله مناديا
نعم لنسمو.. لنسمو
وهكذا مرت السنون في تلك الدولة. وفي يوم من الأيام، ذهب ثلاثة أشخاص من تلك الدولة لكي يسوحوا في دول أخرى، وعندما عادوا قال أحدهم لمواطنيه
أنا تعلمت شيئا جديدا في الأمكنة التي ذهبت إليها
سألوه قائلين:ماذا تعلمت؟
قال: من غير الممكن قول لنتقدم.. لنتقدم ، وما تعلمته قول يجب أن نتقدم
قال مواطنوه: صحيح، صحيح جدا، من غير الممكن قول لنتقدم.. لنتقدم.. يجب أن نتقدم
قال الرحالة الثاني
وأنا أيضا تعلمت شيئا جديدا في الأماكن التي ذهبت إليها
سألوه قائلين:ما الذي تعلمته؟
قال:من غير الممكن قول وتكرير لننهض.. لننهض، بل يجب أن ننهض، هذا ما تعلمته
قالوا له: صحيح، لا يمكن النهوض بقول لننهض.. لننهض.. بل يجب أن ننهض
قال الرحالة الثالث
وأنا أيضا تعلمت شيئا جديدا
سألوه: ما هو؟
قال: من غير الممكن قول: لنسمو.. لنسمو.. بل يجب أن نسمو، هذا ما تعلمته
قال مواطنوه: في الحقيقة لا يكفي قول: لنسمو.. لنسمو، ولكن يجب أن نسمو
منذ ذلك اليوم بدأوا بترديد الكلمات الجديدة، عندما يلتقي صديقان في الطريق يقول أحدهما للأخر
لننهض
يرد عليه الآخر
يجب علينا أن ننهض
عندما يلتقي صديقان لم يرَ كل منهما الآخر منذ مدة طويلة في مكان ما ويتعانقان يقول أحدهما للآخر
لننهض.. لننهض
والآخر يجيب
يجب أن ننهض، يجب أن ننهض
والذين يذهبون لزيارة الأصدقاء أو الأقارب يقولون لأصحاب البيت
يجب أن نسمو
ويقول صاحب البيت لضيوفه
نعم، يجب أن نسمو، يجب أن نسمو
إثر هذا مرت كثير من السنوات، وراح زمن، وأتى زمن، ذهب ثلاثة أشخاص من تلك الدولة إلى دول أخرى ليروا ما فيها، وعند عودتهم قال أحد الأشخاص الثلاثة
أنا تعلمت شيئا جديدا في الأماكن التي ذهبت إليها
سألوه قائلين: ما هو؟
قال: من غير الممكن الاكتفاء بقول: يجب أن نتقدم، يجب أن نتقدم.. يجب أن نتقدم، ولكن كيف يجب أن نتقدم؟ هذا ما تعلمته
قال مواطنوه: كلام مناسب، يجب أن نتقدم، ولكن كيف يجب أن نتقدم
قال الرحالة الثاني
وأنا أيضا تعلمت شيئا جديدا في الأماكن التي ذهبت إليها
سألوه قائلين: ما الذي تعلمته أنت؟
قال: لا يمكن النهوض بقول يجب أن ننهض، ما تعلمته هو سؤال: كيف يجب أن ننهض؟
قال مواطنوه: صحيح، من غير الممكن الاكتفاء بقول: يجب أن ننهض، يجب أن ننهض. بل علينا أن نسأل: كيف يجب أن ننهض؟
قال الرحالة الثالث
وأنا تعلمت شيئا جديدا
قالوا: ما هو؟
قال: لا يمكن الاكتفاء بقول: يجب أن نسمو، تعلمت سؤال: كيف يجب أن نسمو؟
قال مواطنوه أيضا: صحيح جدا. من غير الممكن الاكتفاء بقول: يجب أن نسمو، علينا أن نقول: كيف يجب أن نسمو؟

ومنذ ذلك اليوم إذا دخل شخص إلى القهوة ف تلك الدولة، فيقول ذلك الشخص للجالسين
لنتقدم
فيقول له من في القهوة
يجب أن نتقدم
فيرد عليهم متسائلا
كيف يجب أن نتقدم؟
والأزواج عندما يستيقظون في الصباح يقولون لزوجاتهم عند خروجهم إلى عملهم
لننهض
وبعد أن ترد الزوجات على أزواجهن:
يجب أن ننهض
يلوح الأزواج بأيديهم قائلين
كيف يجب أن ننهض؟
ويهبطون الدرج
ويقول الأطفال لأمهاتهم عندما يذهبون إلى النوم ليلا
لننهض يا ماما
وعندما ترد عليهم أمهاتهم
يجب علينا أن ننهض يا صغاري
يقول الأطفال لأمهاتهم
كيف علينا أن ننهض يا ماما؟
ثم يقبلون أيديهن، ويتمددون في أسرتهم
لم يسقط سكان تلك الدولة هذه الكلمات عن ألسنتهم لسنوات طويلة، وراحت السنون، وعادت أخرى، ثم خرج ثلاثة أشخاص من تلك الدولة إلى دول أخرى، وساحوا فيها، ثم عادوا إلى وطنهم. قال أحدهم
أنا تعلمت شيئا جديدا في الأمكنة التي ذهبت إليها
سأله مواطنوه قائلين: ما هو؟
فأجاب على النحو التالي
ما تعلمته هو عدم الاكتفاء بسؤال كيف يجب علينا أن نتقدم، بل يجب أن نفكر كيف سنتقدم
قالوا له :صحيح، يجب عدم الاكتفاء بالسؤال.. يجب أن نفكر كيف سنتقدم
قال الثاني
وأنا تعلمت شيئا جديدا
سألوه: ما هو؟
قال: لا يمكن النهوض بسؤال كيف يجب أن ننهض.. بل يجب التفكير بكيفية النهوض
قال له مواطنوه: صحيح لا يمكن النهوض بسؤال كيف يجب أن ننهض، بل يجب التفكير بكيفية النهوض
قال الرحالة الثالث
وأنا تعلمت شيئا جديدا، لا يمكن السمو بسؤال، كيف يجب أن نسمو، بل يجب التفكير بكيفية السمو..ها ما تعلمته
قال مواطنوه: صحيح جدا.. يجب التفكير بكيفية السمو
ومنذ ذلك اليوم لم يعد أحد في تلك الدولة يسأل الآخر، كيف حالكم، هل أنتم بخير، ولا أحد يجيب، الحمد لله، شكرا لكم.. بدلا من هذا يقول الشخص الذي يلتقي الآخر
لنتقدم.. لنتقدم
يجب أن نتقدم، صحيح، يجب أن نتقدم
لا يكفي قول يجب أن نتقدم، علينا أن نقول كيف يجب أن نتقدم
كيف يجب أن نتقدم؟
لا يمكن التقدم بقول كيف يجب أن نتقدم، بل يجب أن نفكر كيف سنتقدم

تمد النساء رؤوسهن من شبابيك بيوتهن، ويتحادثن على التالي
هيه.. يا جارتنا، لننهض
هيه.. يجب أن ننهض، يجب أن ننهض
لا يكفي قول يجب أن ننهض، عليك أن تسألي كيف يجب أن ننهض؟
ولا يكفي السؤال أيضا، يجب التفكير بكيفية النهوض

عندما يدخل المعلمون إلى صفوفهم كل صباح، يقولون لتلاميذهم
لننهض.. لننهض يا أولاد
ويجيب الأولاد
يجب أن ننهض يا أستاذ، يجب أن ننهض
لا يكفي قول يجب أن ننهض، يجب علينا أن ننهض، ولكن كيف يجب أن ننهض؟
فيرد التلاميذ
لا يتم هذا بسؤال كيف يجب أن ننهض، بل يجب أن نفكر كيف سننهض يا أستاذ
وبعد طقوس التحية هذه يبدأ المعلمون الدرس

إيييه، هل ستدوم الحكاية هكذا؟ أليس لهذه الحكاية نهاية؟ نعم، ما هي نهايتها؟ قلها.. نهاية هذه الحكاية مثل بداية كل الحكايات: هم نالوا مرادهم.. ولنتمدد نحن على أسرتنا
تِرِي.. لَيْ .. لَم

02 مايو 2007

مفاوضات وتاريخ


ابدأ معهم، يا بيتر، من حيث يريدون، لكن يجب أن نوصلهم إلى حيث نريد. أتفهم ما عنيت؟
ويهز بيتر رأسه بحيرة، ويردد في نفسه: ابدأ معهم من حيث يريدون، لكن المهم أن نوصلهم حيث نريد
انظر يا مستر ماكدونالد. لنفترض أن الأمر بدأ بالشكل التالي
نحن نعترف، أيها السادة، بجميع الإجراءات، لا نقول لهم الإجراءات التي اتخذتموها أنتم، نقول كلمة عامة، ثم بعد ذلك نقول: ويهمنا الآن أن نصل إلى نتائج ترضي الطرفين. انظر يا بيتر لم نقل إلى النتائج التي ترضيكم، وبعد ذلك نقول لهم: لنبدأ القصة من أولها، إن البدايات الصحيحة تؤدي إلى نتائج صحيحة، ونضع نحن الفرضيات والبدايات التي نريدها. ونتوقف طويلا عند مقاطع معينة، لكن المهم يا مستر بيتر أن تفهم بدقة ماذا يريدون. ليس من الضروري توجيه أسئلة مباشرة، يمكن أن نسأل أسئلة بعيدة، عن الزراعة مثلا، عن تربية الحيوان، ويمكن أن نسأل عن مصاريف البلاط، الأمر كله لا يتعدى أن يكون بداية، لكن دون أن نصل إلى نتائج، إلى نهاية

كان ذلك المقطع من رواية سباق المسافات الطويلة لعبدالرحمن منيف

تأملوا هذا المقطع جيدا،، ألا يصلح لأن يكون مدخلا إلى علم التفاوض..واللعبة السياسية

!!!!!!!


يتساءل عبدالرحمن منيف في كتابه
الديمقراطية أولا.. الديمقراطية دائما

هل يمكن الدعوة إلى التجديد قبل تقييم الماضي القريب؟

ويجيب على هذا التساؤل

لكي نثق أن جديدا يمكن أن يولد وينهض فوق هذا الركام من القديم لابد أن تتصدى له قوة جديدة، أو يتجدد القدماء

ويضيف أيضا
إن القوى التي تدعو إلى الجديد، وتقدم نفسها على هذا الأساس، يجب عليها قبل كل شيء، أن تقوم بعملية نقد ذاتي، أن تقول بصراحة أين أخطأت، أين قصرت أو عجزت، وما هي الصيغ والضوابط التي تمنع تكرار أخطاء الماضي

هل يا ترى ما طرحه منيف يدعونا إلى التحرك بدلا من التقوقع والدوران في حلقة فارغة تموج بالتكرار
هل يا ترى نستطيع أن نخرج من هذه الحلقة التي تجعلنا نـُعيد السيناريو ذاته والقصص ذاتها من أحداث التاريخ مع تغيير طفيف في الديكور والملابس
هل يا ترى ندرك أهمية التحرر من كل قيد يفرضه علينا التاريخ أم أن التاريخ سيفرض قيوده علينا ولا نتحرك أبدا فنكرر المقولة القديمة أن التاريخ يعيد نفسه
في كتابه جنة الشوك يورد الدكتور طه حسين هذا الحوار بين الطالب الفتى وأستاذه الشيخ..فيقول

قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: أتصدق أن التاريخ يعيد نفسه؟
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: لا أصدق ذلك ولا أكذبه، ولكن ! لم تريد؟
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: أريد أن التاريخ سخيف لا خير فيه إن كان يعيد نفسه، لأن ذلك يدل على أنه لم يستطع للناس وعظا ولا إصلاحا
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: وما ذنب التاريخ إذا كانت طبيعة الناس لا تتعظ ولا تقبل الإصلاح! فقل إن التاريخ سخيف، كما أن الموت سخيف، لأن الموت يعيش بين الناس ولا يبلغ من نفوسهم موعظة ولا إصلاحا